والمراد بالحكم هو الحكم الفعليّ الّذي هو ثابت على ذمّة المكلّف وعهدته بالفعل لا ما هو ثابت في الشريعة ولم يتحقّق موضوعه ، كما في وجوب الحجّ ، الثابت على المستطيع في الشريعة بالنسبة إلى من لم يكن مستطيعا ، فإنّه لا أثر لقطعه ولا لظنّه ولا لشكّه بهذا الحكم أصلا ، ولا يترتّب على شيء منها حكم أبدا.
وبالجملة ، المراد بالحكم هو ما يكون في مرتبة المجعول الّذي يعبّر عنه بالحكم الفعلي ، لا ما هو في مرتبة الجعل الّذي يعبّر عنه بالحكم الإنشائيّ.
وأمّا الحكم الإنشائيّ الّذي يدّعيه صاحب الكفاية (١) ـ قدّس سره ـ في مرتبة المجعول ومرحلة وجود الموضوع فسيجيء في أوائل مبحث الظنّ ـ إن شاء الله ـ أنّه لا معنى له.
ثمّ إنّ شيخنا العلّامة الأنصاري ـ أعلى الله مقامه ـ قسّم المكلّف باعتبار حالاته الثلاث إلى أقسام ثلاثة (٢) ـ كما قسّمناه ـ وجعل لكتابه مقاصد ثلاثة ، ثمّ ذيّله بالبحث عن التعادل والتراجيح.
وصاحب الكفاية عدل عن ذلك ، وجعل التقسيم ثنائيّا ، لوجهين :
أحدهما : أنّ متعلّق القطع لا يختصّ بالحكم الواقعي ، بل يعمّ الظاهري أيضا ، فإنّ المكلّف إمّا قاطع بما التفت إليه ـ من حكم واقعي أو ظاهري ـ أولا ، وعلى الثاني يعمل على ظنّه لو حصل له ، وتمّت مقدّمات الانسداد على تقدير الحكومة ، وإلّا يرجع إلى الأصول العقليّة.
الثاني : أن لا يلزم تداخل الأقسام ، فإنّ الظانّ بالظنّ المعتبر ملحق بالقاطع ، وبغير المعتبر ملحق بالشّاك ، وهذا بخلاف ما إذا جعل التقسيم ثلاثيّا ،
__________________
(١) كفاية الأصول : ٣٠٧ ـ ٣٠٨ و ٣٢٠ ـ ٣٢٢.
(٢) فرائد الأصول : ٢.