كون القطع بالوجوب الإنشائيّ المتعلّق بالحجّ مأخوذا في موضوع الوجوب الفعلي المتعلّق به الّذي هو مرتبة أخرى من عين ذاك الوجوب أو مثله ، وهكذا لا مانع من أخذ تلك المرتبة في موضوع مرتبة أخرى من ضدّه.
وأمّا على مسلكنا ـ من أنّه ليس للحكم إلّا مرتبتان (١) : مرتبة الجعل وإثباته للموضوع المقدّر وجوده ، ومرتبة المجعول ، وهي مرتبة تحقّق الموضوع وخروجه من مرحلة الفرض والتقدير إلى المرحلة الواقعيّة والتحقيق ، وأنّ كلّا من هاتين المرتبتين ذو أثر شرعي ، مثلا : إذا شكّ في وجوب الحجّ ، الثابت في الشريعة في زمان وأنّه هل نسخ بعد ذلك أو لا؟ يجوز استصحابه ، كما يجوز استصحاب وجوبه بعد تحقّق موضوعه الّذي هو استصحاب مرتبة المجعول منه ـ فلا يعقل ذلك ، ضرورة أنّ القطع بالوجوب الإنشائيّ بالمعنى الّذي ذكرنا ، وهو المرتبة الأولى من الحكم ، أي مرتبة الجعل ، والحاصل : قطع المكلّف بأنّ حكم وجوب الحجّ في حقّه جعل في الشريعة المقدّسة لا ينفكّ عن القطع بالوجوب الفعلي والمرتبة الثانية منه ، وهي مرتبة المجعول ، بل الأوّل عين الثاني ، فيكون أخذه في موضوع نفس الحكم بمرتبته الثانية دورا في نظر القاطع (٢) ، وأخذه في موضوع ضدّه اجتماع الضدّين في نظره.
__________________
(١) أقول : إطلاق الحكم على مرتبة الاقتضاء ليس بالحقيقة بل بالعناية ، وهو مراد الآخوند قدسسره ، خلافا لظاهر كلامه ، كما أنّ مرتبة الإنشاء والجعل أيضا ليست بالحكم حقيقة. هذا أوّلا.
وثانيا : مرتبة التنجّز أيضا من مراتب الحكم ، فللحكم ثلاث مراتب لا مرتبتان. (م).
(٢) أقول : لا إشكال في موضوعية العلم بمرتبة الإنشاء لمرتبة الفعلية ، كما أنّ العلم بمرتبة الفعلية موضوع لمرتبة التنجّز ، وهو ظاهر بعض روايات باب القصر والإتمام والجهر والإخفات. ولا بأس بخروج هذه الموارد من قاعدة اشتراك الأحكام بين العالم والجاهل بها ، فعلم المستطيع بجعل الوجوب للمستطيع موضوع لصيرورة ذلك الوجوب فعليّا في ـ