الوجوب الّذي هو عبارة أخرى عن قصد الوجه ، فقد مرّ في بحث التعبّدي والتوصّلي أنّ الواجب في باب العبادات ليس إلّا إتيان الفعل بداع من الدواعي الإلهيّة ، ويكفي مجرّد إضافة الفعل إليه تبارك وتعالى ، ولا دليل على اعتبار أزيد من ذلك.
وإن كان مراده أنّ شخص الحكم المجعول في الواقع يجب الالتزام به ، فهو ممّا لا يمكن مع الجهل به ، وما هو ممكن هو الالتزام بأحد الطرفين فيما دار أمره بين الوجوب والحرمة ـ مثلا ـ إمّا بالوجوب بالخصوص أو الحرمة كذلك ، إلّا أنّه من التشريع المحرّم وإدخال لما لا يعلم أنّه من الدين في الدين.
والحاصل : أنّ القول بوجوب الالتزام بالمقطوع به قلبا كما يجب عملا في الخارج ـ بحيث يثاب على الموافقة بكلا المعنيين بثوابين ، وعلى الموافقة الالتزاميّة فقط دون العمليّة بثواب واحد ، وهكذا يعاقب بعقابين على فرض عدم العمل خارجا ولا قلبا ، وبعقاب واحد على تقدير الالتزام به قلبا ومخالفته عملا ـ لا يمكن الالتزام به.
الجهة الثانية : في أنّ وجوب الموافقة الالتزاميّة على القول به هل يمنع من جريان الأصل فيما يستلزم المخالفة الالتزاميّة أو لا؟
والحقّ هو الثاني ، فإنّ إجراء الأصول لا ينافي الالتزام بالحكم الواقعي على ما هو عليه ، والالتزام في الظاهر بالإباحة مع العلم بأنّ الواقع خلافه بمقتضى الدليل الشرعي والتعبّد المولوي ، فبمقتضى قوله عليهالسلام : «رفع ما لا يعلمون» (١) و «كلّ شيء مطلق حتى يرد فيه نهي» (٢) نحكم بالإباحة الظاهريّة ، ونلتزم
__________________
(١) الخصال : ٤١٧ ـ ٩ ، التوحيد : ٣٥٣ ـ ٢٤ ، الوسائل ١٥ : ٣٦٩ ، الباب ٥٦ من أبواب جهاد النّفس ، الحديث ١.
(٢) الفقيه ١ : ٢٠٨ ـ ٩٣٧ ، الوسائل ٢٧ : ١٧٣ ـ ١٧٤ ، الباب ١٢ من أبواب صفات ـ