الموضوع ، أمّا الطريقي المحض : فأمره أوضح ، إذ الانصراف الّذي ادّعينا في القطع الموضوعي لا يكون في الطريقي ، ولا يعقل النهي عن اتّباعه أيضا ، لما مرّ من أنّ القطع عين الطريقيّة ، وأنّ حجّيّته من لوازمه الذاتيّة له لا تقبل للجعل نفيا ولا إثباتا. هذا ما أفاده شيخنا الأستاذ (١) قدسسره.
والتحقيق أن يقال : إنّ القطع إمّا ضروري لا يحتاج إلى أزيد من الالتفات إلى الشيء المقطوع به وتصوّره ، وهذا لا يعقل النهي عنه بوجه من الوجوه ، سواء كان طريقيّا أو موضوعيّا ، وإمّا نظريّ لا يحصل إلّا بعد حصول القطع بثبوت الملازمة بين المقطوع به وشيء آخر ، وثبوت ذلك الشيء الملزوم له.
والحاصل : أنّ كلّ قطع نظريّ معلول لقطعين آخرين : أحدهما : القطع بثبوت الملازمة ، والآخر : القطع بثبوت الملزوم ، فإذا حصل هذان القطعان ، يحصل القطع باللازم أيضا بالضرورة ، وإذا لم يحصل أحدهما أو شيء منهما ، لا يحصل هو أيضا ، بل الحاصل حينئذ هو الشكّ ، ونعني بالشكّ غير العلم حتى يشمل الظنّ أيضا.
ثمّ إنّ القطّاع تارة يكون منشأ كونه كثير القطع هو حصول الأسباب المتعارفة ، كما في الطبيب كثيرا ما يرى أنّ المريض يطيب أو يموت ، لقطعه بثبوت الملازمة والملزوم من طريق عاديّ لو حصل لغيره لحصل القطع لذلك الغير أيضا لكنّ غيره لا يكون كثير القطع ، لفقد هذا الطريق العاديّ له ، ومثل القطّاع بهذا المعنى لا ريب في استحالة منعه عن اتّباعه قطعه بالنسبة إلى المولى الحكيم.
وأخرى يكون منشؤه حصول أسباب لا يتعارف حصول القطع منها
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٤١ ـ ٤٢.