أمّا الجهة الثالثة : فالبحث فيها على تقدير التنزّل والقول بأنّ الترخيص في جميع الأطراف من الشارع لا محذور فيه ، وإلّا لا موضوع للبحث عنها أصلا.
وكيف كان فقد ادّعى الشيخ (١) ـ قدسسره ـ عدم شمول أدلّة الأصول لموارد العلم الإجمالي ، نظرا إلى أنّ صدر بعض الروايات الواردة في الباب معارض مع الذيل ، كما في «كلّ شيء لك حلال حتى تعرف أنّه حرام» (٢) فإنّ الصدر ـ وهو «كلّ شيء لك حلال» ـ مطلق شامل للمشكوك المقرون بالعلم الإجمالي وغيره ، وهكذا الذيل ـ وهو «حتى تعرف أنّه حرام» ـ مطلق شامل للعلم التفصيليّ والإجمالي ، فتقع المعارضة بينهما ، ويسقط الدليل عن الحجّيّة في مورد المعارضة.
وأمّا توهّم أنّ لفظ «بعينه» في بعض (٣) الروايات قرينة على أنّ المراد بالعلم هو العلم التفصيليّ فلا معارضة ، ففاسد ، إذ التقييد بلفظ «بعينه» يصحّ في مورد العلم الإجمالي أيضا تأكيدا للمعلوم بالإجمال ، كما يقال : «إناء زيد بعينه نجس» مع أنّه مردّد بين إناءين ، فقوله : «حتى تعرف أنّه حرام بعينه» لا ظهور له في العلم التفصيليّ ، ولفظ «بعينه» لا يصلح لأن يكون قرينة على ذلك ، بل تأكيد للمعلوم مطلقا بالإجمال أو بالتفصيل.
وهذا الّذي أفاده ـ قدسسره ـ غير تامّ ، فإنّ ظاهر قوله : «حتى تعرف أنّه حرام» و «لكن ينقضه بيقين آخر» (٤) أو «يعلم أنّه قذر» (٥) أنّ الغاية هي العلم بالخلاف ،
__________________
(١) فرائد الأصول : ٢٤١.
(٢ و ٣) الكافي ٥ : ٣١٣ ـ ٤٠ ، التهذيب ٧ : ٢٢٦ ـ ٩٨٩ ، الوسائل ١٧ : ٨٩ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٤.
(٤) التهذيب ١ : ٨ ـ ١١ ، الوسائل ١ : ٢٤٥ ، الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ١.
(٥) الكافي ٣ : ١ ـ ٢ و ٣ ، التهذيب ١ : ٢١٥ ـ ٦١٩ ، الوسائل ١ : ١٣٤ ، الباب ١ من أبواب ـ