شيء مثلا ولم يأت به ، ويؤاخذه بأنّك لم ما أتيت بما قطعت بوجوبه؟
وليعلم أنّ الحجّيّة بهذا المعنى ليست من لوازم القطع ومعلولاته ، ولا ممّا ثبت ببناء العقلاء ـ ضرورة أنّها ثابتة عند حصول القطع ولو لم يكن في العالم غير القاطع أحد من العقلاء. مضافا إلى أنّ بناءات العقلاء كلّها راجعة إلى حفظ النظام وبقاء النوع ـ كحرمة القتل والظلم وغير ذلك ممّا له دخل في نظام العالم ـ لا إلى ما لا دخل له بذلك ولا ربط له به ، كوجوب الصلاة وغيره من الأحكام الشرعيّة وغير الشرعيّة التي تكون كذلك ، ومن ذلك صحّة المؤاخذة والاحتجاج من المولى على عبده ، وعدمها ، فإنّها لا ربط لها بالنظام أصلا ـ ولا ممّا حكم به العقل ، فإنّ البعث والزجر واعتبار اللابدّيّة ليست من شئون العقل ، بل شأنه ليس إلّا الإدراك والتمييز ، بل الصحيح أن يقال : إنّ صحّة الاحتجاج تكون ممّا يدركها العقل ، وإطلاق الحكم في هذا المورد بل في كلّ مورد ، على ما يدركه العقل مبنيّ على التسامح ، كما يقولون : العقل يحكم باستحالة النقيضين ، فإنّ حكمه بها لا معنى له إلّا إدراكه لها.
نعم ، حيث إنّ حبّ النّفس جبلّيّ للإنسان ، بل لكلّ حيوان ، وهكذا الفرار عن الضرر والعقاب فطريّ له ومقتضى طبيعته ، فإذا أدرك العقل صحّة مؤاخذة المولى على مخالفة العبد القاطع قطعه ، فيبعثه حبّه لنفسه على العمل على طبق قطعه ، ويلزمه على ذلك ، فرارا عن العذاب الأليم الأخروي الّذي هو أعظم بمراتب من العقاب الدنيويّ.
فتحصّل ممّا ذكرنا : أنّ الحجّيّة ليست إلّا ممّا يدركه العقل ، والبعث والزجر من شئون العاقل لا العقل.
هذا كلّه في الجهة الثانية ، ونتكلّم في الجهة الثالثة عند تعرّض صاحب الكفاية لها إن شاء الله.