الطهارة بعنوان حدوثها بعد الوضوء الأوّل مقطوعة الارتفاع ، وهي بعنوان كونها ثابتة يقينا بعد الوضوء الثاني مشكوكة البقاء ، فنستصحبها وإن كان معارضا باستصحاب بقاء الحدث الحادث بعد الوضوء الأوّل ، ويتفرّع على ذلك فروع كثيرة في الفقه.
ثمّ إنّ للمحقّق الهمداني كلاما ، وهو أنّه فصّل قدسسره بين صورة العلم بتعدّد السبب واحتمال التعاقب ـ كما إذا علم بأنّ المنيّ المرئي في الثوب سبب آخر للجنابة لكن احتمل كونه متعاقبا للسبب الأوّل بحيث اغتسل منها ، أو حدث بعد الاغتسال عن السبب الأوّل ـ فالتزم قدسسره بجريان استصحاب الجنابة الحاصلة بالسبب الثاني ، للعلم بمغايرته للأوّل والشكّ في ارتفاع أثره ، وبين ما ذكرنا ـ من صورة احتمال التعدّد واحتمال كون المرئي هو عين السبب الأوّل ـ فالتزم بعدم جريان استصحاب الجنابة ، لعدم العلم بأزيد من جنابة واحدة اغتسل منها يقينا (١).
وممّا ذكرنا ظهر عدم الفرق بين الصورتين وأنّ نقض اليقين بالشكّ يصدق في الصورة الثانية أيضا ، لأنّه متيقّن بجنابته حين خروج هذا الأثر ، وهذه الجنابة بهذا العنوان مشكوكة البقاء ، فتستصحب. وقد ذكرنا أنّه لا يلزم في جريان الاستصحاب تعلّق اليقين بالمستصحب بخصوصيته.
نعم ، لو قلنا باعتبار اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين في الاستصحاب ، لا يجري في المقام ، وهو بحث آخر.
ثمّ إنّه ربما يناقش في جريان هذا الاستصحاب بأنّه يحتمل في الصورتين أن ينتقض اليقين باليقين ، إذ يحتمل تعاقب السببين في الصورة
__________________
(١) مصباح الفقيه (كتاب الطهارة) ١ : ٢٢٢ ـ ٢٢٣.