الأوّل : في استصحاب نفس الزمان. ولا ريب في أنّ الزمان وما يشبهه من الحركة في الأين أو الكمّ أو الكيف ، له نحو وجود طبعه وواقعه أن يتصرّم وينقضي جزء منه ويوجد جزء آخر ، والتصرّم والانقضاء شيئا فشيئا ممّا تتقوّم به ذات الزمان وشبهه بحيث لو بقي الجزء الأوّل من الزمان أو الحركة مثلا ولم يتصرّم ، يخرج عن كونه مصداقا لهذه الحقيقة ، فلا مانع من استصحاب بقاء هذا الموجود ـ كاليوم والليل والشهر والسنة والدهر ـ إذا ترتّب على بقائه أثر.
ولو أغمضنا عن ذلك وقلنا بأنّ النهار وشبهه ليس موجودا واحدا بل هو وجودات متغايرة متعاقبة وآنات غير متجزّئة ينعدم بعض ويوجد آخر ، فإنّما يكون ذلك بحسب الدقّة الفلسفيّة ، وأمّا بالنظر العرفي المتّبع في باب تشخيص المفاهيم التي منها مفهوم «النقض» فلا ريب في كونها موجودا واحدا ، فيصدق نقض اليقين بالشكّ.
هذا في استصحاب بقاء الزمان وشبهه ، أمّا استصحاب عدم حدوثه كعدم طلوع الفجر مثلا ، إذا ترتّب عليه أثر شرعي ، فالأمر فيه أوضح ، ولعلّ ما ذكرنا ـ من أنّ الزمان وشبهه ، له نحو وجود قوامه بالتصرّم والتقضّي ـ هو مراد صاحب الكفاية من الحركة التوسّطيّة حيث قسّم الحركة إليها وإلى القطعيّة (١) ، وإلّا فما أفاده خلاف الاصطلاح ، وكيف كان ، فجريان الاستصحاب غير مبنيّ على هذه الاصطلاحات ، بل هو مبنيّ على صدق النقض كما عرفت.
ولا يفرّق في ذلك بين ما إذا كان الشكّ في بقاء الزمان ونحوه ناشئا من الشكّ في انتهاء حدّه المعلوم لنا ، كما إذا علمنا بأنّ اليوم ليس بأزيد من عشرة
__________________
(١) كفاية الأصول : ٤٦٤.