وإمّا يكون عند العرف من مقوّمات الموضوع بحيث يرى الحكم الثابت له عند زوال ذلك العنوان حكما آخر ثابتا لموضوع آخر ، لا بقاء للحكم الأوّل ، كعنوان الكلب ، فإنّ زوال هذا العنوان بصيرورة الكلب ملحا موجب لزوال الحكم عنه ، فإذا ثبت حكم النجاسة له بعد ذلك أيضا ، لا يكون بقاء للحكم الأوّل عند العرف ، إذ لا يرى موضوعه موضوعا للحكم الأوّل ، فإنّ هذا الملح ليس كلبا بل هو شبيه بالكلب وبصورته كالحجر المصنوع بصورة الكلب.
وإمّا لا يكون من مقوّمات الموضوع كالثاني ، ولا من قبيل المعرّف كالأوّل ، بل هو وسط بينهما ، ويكون زواله موجبا للشكّ في بقاء الحكم الأوّل بحيث لو دلّ دليل على ثبوت الحكم له بعد زوال عنوانه ، يراه العرف بقاء للحكم الأوّل ، لا حكما مغايرا له. وهذا هو مورد لاستصحاب الحكم تنجيزيّا أو تعليقيّا ، كعنوان «التغيّر» في الماء المتغيّر.
ومن هنا ظهر أنّ ما جعلوه مثالا للاستصحاب التعليقي ـ وهو استصحاب بقاء الحرمة الثابتة للزبيب على تقدير الغليان حال عنبيته ـ ليس من مورد الاستصحاب التعليقي في شيء ، فإنّ العنوان المأخوذ في موضوع الحرمة في الأدلّة ليس عنوان «العنب» حتى تستصحب حرمته التقديريّة بعد صيرورته زبيبا ، بل المأخوذ هو عنوان «العصير» وعصير الشيء لغة وعرفا ما يستخرج منه بالعصر من الماء ، ومن المعلوم أنّ الزبيب ليس له ماء ، والماء الممتزج والمختلط بأجزائه ليس عصيرا له.
وكيف كان ، فالعنوان المأخوذ في موضوع الحكم المستصحب تنجيزيّا كان أو تقديريّا لا بدّ وأن يكون من القسم الثالث المتوسّط بين القسمين الأوّلين.
وبعد ذلك نقول : قد مرّ مرارا أنّ الاستصحاب متوقّف على اليقين بحكم أو موضوع ذي حكم ، والشكّ في بقائه ، والشكّ في بقاء الحكم ناش من أحد