جريان الاستصحاب فيه ، وبين الشكّ في المانع ، فحكم بالجريان فيما كان المستصحب موضوعا أو كان حكما مستفادا من غير العقل ، وأمّا المستفاد من العقل فلا يجري فيه (١).
والمختار عندنا هو جريان الاستصحاب في الموضوعات والأحكام الجزئيّة مطلقا دون الأحكام الكلّيّة ، كنجاسة الماء المتغيّر ، بعد زوال تغيّره ، إلّا استصحاب عدم النسخ ، فعلى هذا يكون الاستصحاب هو قاعدة فقهيّة لا يستنبط منها الحكم الكلّي ، فالأولى ذكر أدلّة الباب ، وبيان ما يستفاد منها.
فنقول : قد استدلّ على حجّيّة الاستصحاب بوجوه :
الأوّل : استقرار بناء العقلاء وسيرتهم على العمل على طبق الحالة السابقة ، ولم يثبت الردع ، وهو دليل على الإمضاء.
وفيه : أنّ بناءهم على ذلك ليس لمحض التعبّد بأن عمل واحد منهم بذلك جزافا ، فتبعه الباقي ، بل لأجل الاطمئنان بالبقاء ، أو الغفلة ، أو الرجاء ، ولم تستقرّ سيرتهم على ذلك لأجل غير هذه الأمور من الظنّ بالبقاء نوعا أو شخصا ، ضرورة أنّ الاستصحاب دائما لا يفيد الظنّ ولو نوعا.
ودعوى شيخنا الأستاذ قدسسره ـ من أنّه لو لا العمل بالاستصحاب ، لاختلّ النظام (٢) ـ لا وجه لها ، ضرورة أنّ المنكرين لحجّيّة الاستصحاب مطلقا جماعة كثيرة ، ولم تختلّ أمور معاشهم ومعادهم.
ثمّ إنّ صاحب الكفاية أشكل في المقام على التمسّك بالسيرة بأنّها مردوعة بما دلّ من الكتاب والسنّة على النهي عن اتّباع غير العلم (٣).
__________________
(١) فرائد الأصول : ٣٢٢ ـ ٣٢٨.
(٢) أجود التقريرات ٢ : ٣٥٧.
(٣) كفاية الأصول : ٤٣٩.