وعدم الإباحة للزبيب بالاستصحاب التعليقي يمكننا إثبات عموم الحلّيّة لما قبل الغليان وما بعده بالاستصحاب التنجيزي ، أي استصحاب الحلّيّة الثابتة قبل الغليان ، فلما ذا يتقدّم الأوّل على الثاني؟
والجواب الثاني ـ وهو الصحيح ـ ما أفاده في الكفاية (١) ، وتوضيح ما أفاده وتبيين ما أراده من عبارته ـ وإن كانت قاصرة عن بيان مرامه ـ هو أنّ استصحاب الحلّيّة يجري فيما إذا لم يكن أصل موضوعي يثبت كونها مغيّاة بالغليان ، ومعه لا مورد لاستصحابها بعد الغليان ، نظير ما ذكرنا في القسم الثاني من استصحاب الكلّي من أنّه لا يجري إذا أثبت بالأصل كون الحدث الموجود هو الحدث الأصغر ، وفي المقام كذلك ، لأنّ حلّيّة الزبيب أمر قطعي لا نشكّ فيها ، فإنّه من الطيّبات التي أحلّها الله تعالى قطعا ، ولا نحتاج في إثباتها إلى استصحاب الحلّيّة الثابتة له قبل صيرورته زبيبا.
نعم ، نشكّ في أنّ هذه الحلّيّة في حال الزبيبيّة هل هي الحلّيّة الثابتة له في حال العنبيّة ، التي كانت مغيّاة بالغليان ، أو أنّها حلّيّة جديدة غير تلك الحلّيّة؟ فإذا استصحبنا تلك الحلّيّة المغيّاة وحكمنا بأنّ الحلّيّة الموجودة في هذا الحال أيضا هي الحلّيّة المغيّاة بالغليان ، فلا معنى بعد ذلك لاستصحابها بعد الغليان ، إذ لا نحتمل ـ بعد كونها مغيّاة ـ بقاءها بعد حصول الغاية حتى نستصحبها.
وبعبارة أخرى : نستصحب كلّ ما كان ثابتا للعنب من الحرمة على تقدير الغليان ، والحلّيّة المغيّاة في حال عنبيته وصفة الزبيبيّة له ، ونقول : قبل صيرورته زبيبا يحرم بالغليان وتزول عنه الحلّيّة فالآن كما كان.
الثاني : هل يجري الاستصحاب التعليقي ـ على القول به ـ في خصوص
__________________
(١) كفاية الأصول : ٤٦٨ ـ ٤٦٩.