وهذا الكلام يناقض ما سبق منه قدسسره في بحث حجّيّة خبر الواحد ، فإنّه جعل عمدة أدلّة حجّيّة الخبر هي السيرة.
وأورد على نفسه بأنّ السيرة مردوعة بالآيات الناهية عن اتّباع غير العلم.
وأجاب بأنّ رادعيّتها للسيرة دوريّة ، مع «إن قلت» و «قلت» (١) إلى آخر ما أفاده في المتن.
وذكر في هامش الكتاب ما حاصله : أنّه لو سلّمت دوريّة كلّ من مخصّصيّة السيرة للآيات ورادعيّتها للسيرة ، يكفينا استصحاب حجّيّة السيرة الممضاة قبل نزول الآيات بزمان (٢).
وقد ذكرنا هناك أنّ الآيات لا تصلح للرادعيّة لا من جهة الدور ، بل من جهة أنّ العقلاء حيث لا يرون العمل بخبر الثقة مصداقا للعمل بغير العلم ، لأنّه علم في نظرهم ، لا يمكن ردعهم عن سيرتهم بمثل هذه العمومات ، بل يحتاج الردع إلى دليل خاصّ ، كما أنّ القياس معمول به عند العقلاء في الجملة لا بمثابة خبر الثقة ، وقد وردت خمسمائة رواية ـ على ما أفاده بعض أساتيذنا ـ على النهي عن العمل به ، وأنّه موجب لمحق الدين.
وذكرنا أيضا أنّ الاستصحاب أيضا يكون دليلا على حجّيّة السيرة على العمل بخبر الثقة دون السيرة على العمل بالاستصحاب ، إذ لا يمكن إثبات حجّيّة الاستصحاب بنفس الاستصحاب.
الوجه الثاني : هو دعوى الإجماع عليه من جماعة.
ولا يخفى ما فيه ، مع الغضّ عن أنّ نقل الإجماع لا دليل على حجّيّته ، ولا يكون مشمولا لأدلّة حجّيّة خبر الواحد ، فإنّها لا تشمل الإخبار عن حدس ،
__________________
(١) كفاية الأصول : ٣٤٨ ـ ٣٤٩.
(٢) كفاية الأصول : ٤٣٩ الهامش (١).