بينهما أنّ دليل الأمارة أخذ الشكّ والجهل في موضوعه حدوثا فقط ، بخلاف دليل الاستصحاب وغيره من الأصول ، فإنّ الشكّ أخذ في موضوعه حدوثا وبقاء.
بيان ذلك : أنّ الأمارة بإعانة دليل اعتبارها مزيلة للجهل ، وعلم تعبّدي ، فالمكلّف قبل قيام الأمارة جاهل بالحكم الواقعي ، وبقيامها يصير عالما به تعبّدا. ويستفاد ذلك من قوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(١) بناء على دلالته على حجّيّة الفتوى أو مطلق خبر الواحد ، حيث أخذ في موضوعه عدم العلم ، كما أنّه يستفاد عدم كون من قامت عنده الأمارة جاهلا من إطلاق «العارف» و «الفقيه» و «العالم» عليه في قوله عليهالسلام : «انظروا إلى من روى حديثنا» إلى أن قال : «وعرف أحكامنا» (٢) فإنّ معرفة الأحكام ليست بالعلم إلّا نادرا بل تكون بهذه الطرق المنصوبة. وقوله عليهالسلام : «أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا» (٣) حيث إنّ معرفة معاني كلامهم عليهمالسلام ليست على وجه العلم الوجداني ، ويمكن استفادة ذلك من قوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) بناء على أنّ المراد : فاسألوهم كي تعلموا بالسؤال ، ومن المعلوم أنّ قول المفتي أو المخبر الواحد لا يوجب العلم الوجداني.
وبالجملة ، الأمارة أخذ الجهل في موضوع دليل اعتبارها حدوثا ولكنّها مزيلة له بقاء ، وهذا بخلاف دليل الاستصحاب ، فإنّ الجهل والشكّ أخذ في موضوعه حدوثا وبقاء ، حيث إنّ الشارع يعترف بمقتضى قوله : «من كان على
__________________
(١) النحل : ٤٣ ، الأنبياء : ٧.
(٢) الكافي ١ : ٤٧ ـ ١٠ و ٧ : ٤١٢ ـ ٥ ، التهذيب ٦ : ٢١٨ ـ ٥١٤ و ٣٠١ ـ ٨٤٥ ، الوسائل ٢٧ : ١٣٦ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١.
(٣) معاني الأخبار : ١ ـ ١ ، الوسائل ٢٧ : ١١٧ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٧.