يقين فشكّ» أنّ المستصحب ـ بالكسر ـ شاكّ ، ففي عين اعتبار كونه متيقّنا بمقتضى قوله : «لا تنقض اليقين» اعتبر كونه شاكّا أيضا بمقتضى قوله : «فشكّ» ولا تنافي بين الاعتبارين وإن كان اليقين والشكّ لا يجتمعان بوجودهما الخارجي إلّا أنّه لا مانع من اجتماعهما بوجودهما الاعتباري.
وبذلك ظهر وجه تقدّم الأمارة على الاستصحاب وسائر الأصول ، فإنّ دليل الاستصحاب يعيّن حكم من كان جاهلا ، ومن قامت عنده الأمارة لا يكون جاهلا.
وبعبارة أخرى : الاستصحاب أمارة حيث لا أمارة ، نظير ما ذكروه في الغلبة من أنّها أمارة حيث لا أمارة.
هذا ، ولكنّ الإنصاف عدم تماميّة ما ذكرنا من أنّ الشارع اعتبر الشاكّ متيقّنا في البقاء في عين اعتباره شاكّا ، فإنّه ممنوع ثبوتا وإثباتا.
والّذي يقتضيه النّظر الدّقيق هو أنّ الاستصحاب مشترك مع الأمارة في الأماريّة والكاشفيّة ، وعدم كون المستصحب شاكّا في نظر الشارع بقاء ، ومع ملاحظة دليل «لا تنقض» ـ وإن كان شاكّا مع قطع النّظر عنه ـ فهو متيقّن في نظر الشارع بنفس دليل «لا تنقض» كما هو شأن كلّ متعلّق حكم أو موضوعه بالنسبة إليه ، مثلا : الصلاة غير واجبة مع قطع النّظر عن (أَقِيمُوا الصَّلاةَ)(١) وواجبة مع ملاحظته ، فدليل الاستصحاب كدليل الأمارة مزيل للشكّ بقاء ، كما أنّ الجهل والشكّ مأخوذ في موضوع دليل كلّ منهما ، والشارع تمّم كاشفيّة ما له كشف ناقص في الاستصحاب ، حيث جعل اليقين ـ الّذي كان كاشفا حدوثا فقط ـ كاشفا بقاء أيضا ، كما تمّم نقض كاشفيّة الأمارة ، فكلّ منهما أمارة كاشفة
__________________
(١) الروم : ٣١.