عن الواقع ، ومع ذلك تقدّم الأمارات على الاستصحاب كما يقدّم الاستصحاب على الأصول.
أمّا وجه تقديم الاستصحاب على الأصول الثلاثة فهو عين وجه تقديم غيره من الأمارات عليها ، وهو أنّ المأخوذ في موضوع الأصول هو الشكّ والجهل ، والاستصحاب رافع للشكّ ومحرز للواقع كغيره من الأمارات ، فبعد جريانه يرتفع موضوع الأصول ، فيتقدّم عليها تقدّم الحاكم على المحكوم.
وأمّا وجه تقديم الأمارات على الاستصحاب ـ مع كونه أيضا أمارة ـ فهو أنّ كلّا من الدليلين وإن كان أخذ الجهل في موضوعه إلّا أنّ دليل الأمارة مطلق من حيث اللفظ ، وإطلاقه شامل لموارد ثلاثة : مورد العلم الوجداني على الخلاف ، والعلم التعبّدي عليه ، والجهل بالواقع ـ وهذا بخلاف دليل الاستصحاب ، حيث إنّه مختصّ بمورد الجهل والشكّ ، الظاهر في مورد عدم العلم بجميع مراتبه حتى التعبّدي منه ـ ولا مقيّد لفظي لإطلاق دليل الأمارة ، بل هو مقيّد بالدليل العقلي بغير مورد العلم بالواقع ، للزوم التصويب ، والقدر المتيقّن من التقييد هو التقييد بغير مورد العلم الوجداني بالواقع ، أمّا مورد الجهل بالواقع ومورد العلم التعبّدي الحاصل بدليل الاستصحاب فهما باقيان تحت إطلاق دليل الأمارة ، فتقدّم الأمارة على الاستصحاب مع كونه أيضا أمارة من جهة أنّ موضوعه هو الجهل والشكّ ، ودليل الأمارة مثل قوله عليهالسلام : «لا عذر لأحد في التشكيك فيما يرويه عنّا ثقاتنا» (١) رافع لموضوعه ، حيث إنّ ظاهر أخذ الشكّ في لسان دليل الاستصحاب هو أخذه من كلّ جهة بحيث لم يكن للشاكّ وجدانا علم بالواقع أصلا ولو تعبّدا ، وقد عرفت أنّ موضوع دليل الأمارة
__________________
(١) اختيار معرفة الرّجال : ٥٣٥ ـ ٥٣٦ ـ ١٠٢٠ ، الوسائل ٢٧ : ١٤٩ ـ ١٥٠ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤٠.