بمرتبة من الجلاء يكون التعبّد بذيها مستلزما للتعبّد بها عند العرف. وبيّن لذلك موردين :
أحدهما : ما يكون بينهما تضايف ، كالفوقيّة والتحتيّة ، والتقدّم والتأخّر ، فإنّ المتضايفين متكافئان لا ينفكّ أحدهما عن الآخر في مقام القوّة والفعليّة ، فإذا فرض أنّ زيدا أبو عمرو بالقوّة ، فلا محالة يكون عمرو أيضا ابن زيد بالقوّة ، وهكذا في مقام الفعليّة ، فالتعبّد بأبوّة زيد بنظر العرف مستلزم للتعبّد ببنوّة عمرو ، فإنّ الأبوّة والبنوّة عندهم مطلب واحد يعبّر عنه بتعبيرين ، وهكذا غيرهما من المتضايفات.
والآخر : ما يكون أحدهما معلولا للآخر أو كان كلاهما معلولا لعلّة ثالثة ، كوجود النهار ، المعلول لطلوع الشمس ، أو وجود النهار والضوء المعلولين لطلوع الشمس ، فإنّ التفكيك كما لا يمكن بين المعلول والعلّة أو المعلولين لعلّة ثالثة واقعا ، كذلك لا يمكن عرفا بحسب التعبّد (١).
وهذا الّذي أفاده وإن كان تامّا كبرى إلّا أنّه لا صغرى لهذه الكبرى ، ضرورة أنّ المتضايفين لا يعقل التفكيك بينهما قوّة وفعلا ويقينا وظنّا وشكّا ، فإذا فرض اليقين بأبوّة زيد لعمرو ، لا يعقل عدم حصول اليقين ببنوّة عمرو له ، وهكذا في الظنّ والشكّ ، فأيّ مورد يعقل تحقّق موضوع الاستصحاب ـ من اليقين والشكّ ـ في أحد المتضايفين وعدم تحقّقه في المتضايف الآخر حتى يدخل في تلك الكبرى؟ وهكذا الكلام في العلّة والمعلول والمعلولين لعلّة ثالثة حرفا بحرف.
ثمّ إنّ ما أفاده شيخنا الأنصاري قدسسره ـ من اعتبار الأصل المثبت إن كانت
__________________
(١) كفاية الأصول : ٤٧٢ (الهامش) و ٤٧٣.