الواسطة خفيّة ـ غير تامّ أيضا ، فإنّ الأثر إن كان ـ بحسب متفاهم العرف بمناسبة الحكم والموضوع ـ أثرا لذي الواسطة ، فهو خارج عن الأصل المثبت بالمرّة ، وإن كان الأثر أثرا للواسطة حقيقة وإنّما العرف يتسامح ويعدّه أثرا لذي الواسطة ، فلا اعتبار بهذا الأصل أصلا ، فإنّ العرف مرجع لتشخيص المفاهيم وأخذها منه ، وبعد أخذ أصل المفهوم أو سعته وضيقه منه ـ ولو كان ذلك من جهة القرائن الحاليّة أو المقاليّة ، فإنّ الميزان هو انفهام المعنى من اللفظ وإن لم يكن معنى حقيقيّا له ـ لا يعتنى بالمسامحات العرفيّة ، بل لا بدّ بعد ذلك من اتّباعهم في نظرهم الدقّي لا المسامحي ، فإنّهم ربما يتسامحون في باب الأوزان والأعداد ، ويعدّون الألف إلّا واحدا مثلا ألفا ، ويقولون : جاء ألف من العساكر ، ولكن لو أنكر على القائل منكر ، لم ينكر عليه.
والحاصل : أنّ العرف مرجع في فهم أصل المعنى أو سعته وضيقه ولو بالقرائن مقاليّة أو حاليّة ، ومن جملة القرائن الحاليّة مناسبة الحكم والموضوع ، كما في قوله عليهالسلام : «لا تصلّ فيما لا يؤكل لحمه» (١) فإنّ لفظ «ما» وإن كان عامّا يشمل الإنسان وغيره إلّا أنّ النهي حيث إنّه متعلّق بالإنسان ـ وهو آكل لا مأكول ـ لا يفهم منه عرفا بهذه المناسبة بطلان الصلاة في شعر الإنسان ، فيضيّق مفهوم «ما لا يؤكل» وإن كان عامّا ، ويختصّ بغير الإنسان بهذه القرينة الحاليّة.
ثمّ إنّ الشيخ قدسسره ذكر أمثلة لخفاء الواسطة :
منها : استصحاب بقاء الرطوبة في الثوب المغسول الواقع على الأرض النجسة لإثبات نجاسته من جهة السراية (٢).
__________________
(١) الفقيه ٤ : ٢٦٥ ـ ٨٢٤ ، الوسائل ٤ : ٣٤٦ ـ ٣٤٧ ، الباب ٢ من أبواب لباس المصلّي ، الحديث ٦.
(٢) فرائد الأصول : ٣٨٦.