من جهة أنّ وجود الكلّي عين وجود فرده ومتّحد معه ، فليست واسطة عقليّة في البين حتى يكون الأصل مثبتا.
وفيه : أنّ الكلّي وإن كان متّحدا مع الفرد وجودا إلّا أنّه معرّف لمصاديقه الخارجيّة ، لما مرّ مرارا من أنّ الأحكام ثابتة على موضوعاتها بنحو القضايا الحقيقيّة ، فحرمة الشرب مترتّبة على طبيعيّ الخمر بما أنّه معرّف لمصاديقه الخارجيّة ، والمطهّريّة ثابتة لكلّي الماء كذلك ، فالمياه الخارجيّة كلّها موضوعات لهذا الحكم ، غاية الأمر أنّ الخصوصيّات الخارجيّة ـ من كون الماء ماء بحر أو نهر أو ملك زيد أو عمرو ـ خارجة عن حيّز الحكم ، بل كلّ ماء بمائيته وطبيعته محكوم بهذا الحكم ، فالأثر مترتّب على نفس الفرد ، ويترتّب على استصحاب الفرد أثره ، كما في جميع الاستصحابات الموضوعيّة ، كان الكلّي الطبيعي موجودا في الخارج أو لم يكن ، وكان متّحدا مع فرده أو لم يكن.
ومنها : استصحاب منشأ انتزاع أمر انتزاعي لترتيب آثار الأمر الانتزاعي ، كالملكيّة والزوجيّة ممّا يكون من الخارج المحمول لا ما يكون من المحمول بالضميمة كالأبيض والأسود (١).
وما أفاده غير معلوم المراد ، ويحتمل فيه وجهان :
الأوّل : أن يكون مراده استصحاب كون الدار ـ مثلا ـ ملكا لزيد إذا كان بقاء ملكا له لترتيب آثار الملكيّة عليه من جواز اشترائها واستئجارها والتصرّف فيها بإذنه وغير ذلك ، فإن أراد ذلك ، فهو عين الاستثناء الأوّل وليس أمرا مغايرا له ، ضرورة عدم الفرق بين استصحاب ملكيّة زيد للدار لترتيب آثار كلّي الملكيّة ، واستصحاب خمريّة مائع لترتيب آثار كلّي الخمر.
__________________
(١) كفاية الأصول : ٤٧٤.