ذهبا فبان نحاسا ، أو باع جلدين من شرح اللمعة فبأنا جلدين من كتاب اللغة ، من دون فرق بين أن يجعل ذلك عنوانا في مقام إنشاء البيع أو شرطا بأن يقول : «بعتك هذا على أن يكون ذهبا» فإنّ متعلّق البيع في جميع ذلك أمر ظهر أنّه مغاير له في الحقيقة والماهيّة عند العرف ، وهذا بخلاف ما إذا باع عبدا كاتبا أو على أنّه كاتب فبان أمّيّا ، فإنّه يحكم بصحّة البيع ، لعدم كون الكتابة من مقوّمات العبد عرفا.
إذا عرفت اختلاف الحال في كون الاعتبار في بقاء الموضوع بنظر العقل أو العرف أو لسان الدليل ، فاعلم أنّ موضوع الاستصحاب هو نقض اليقين بالشكّ بمقتضى قوله عليهالسلام : «لا تنقض اليقين بالشكّ» (١) ومعلوم أنّ المخاطب بهذا الخطاب هو العرف لا الفلاسفة ، فلا اعتبار بالتدقيقات الفلسفيّة في صدق موضوعه ، فكما تؤخذ موضوعات سائر الأحكام من العرف كذلك هذا الموضوع.
وبالجملة ، عدم جواز نقض اليقين بالشكّ وظيفة ظاهريّة جعلها الشارع لعامّة المكلّفين ، فالمتّبع فهمهم فيما وظّفوا به ، ولا فرق بين الوظيفة الظاهريّة والواقعيّة في ذلك ، فالميزان في بقاء الموضوع ـ الّذي لا يصدق بدونه نقض اليقين بالشكّ ـ هو نظر العرف ، فإذا قطع بالبقاء عرفا ، يشمله دليل الاستصحاب ، أمّا إذا قطع بالارتفاع أو شكّ فيه كما في التراب الّذي صار آجرا أو الخشب الّذي صار فحما ، فلا يشمله دليل الاستصحاب.
هذا كلّه مع قطع النّظر عمّا بنينا عليه سابقا من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكلّيّة مطلقا إلّا استصحاب عدم النسخ ، وإلّا فنظر العرف ملغى في
__________________
(١) التهذيب ١ : ٨ ـ ١١ ، الوسائل ١ : ٢٤٥ ، الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ١.