وأمّا الوجه الثالث : فأمره أفحش ، حيث إنّ ظاهر الدليل أنّ الغاية هي اليقين بخلاف ما تيقّن به سابقا ، لا اليقين بأمر آخر ، ومن المعلوم أنّ قيام البيّنة على الطهارة ـ في استصحاب النجاسة ـ لا يوجب اليقين بها ، واليقين بالحجّيّة ـ أي حجّيّة بيّنة الطهارة ـ ليس يقينا بالطهارة.
وبالجملة ، هذه الوجوه كلّها خلاف ظاهر الدليل ، مضافا إلى أنّ لازمها هو التخصّص لا الورود ، فإنّ الورود اصطلاحا هو ارتفاع موضوع دليل المورود بنفس جعل المولى وتعبّده ، أمّا لو كان ارتفاع الموضوع وجدانا غير مسبّب عن ثبوت التعبّد ولا ثبوت المتعبّد به ، فهو تخصّص لا غير ، كخروج زيد الجاهل عن موضوع «أكرم العلماء» والأمر في جميع هذه الوجوه كذلك ، فإنّ ارتفاع موضوع الاستصحاب لا يكون في شيء من هذه الوجوه مستندا إلى نفس التعبّد بالأمارة ـ وإن كان متيقّنا ـ حتى يكون ورودا ، إذ التعبّد تعلّق بكلّ من الاستصحاب والأمارة في عرض واحد ، فإذا لم يكن ارتفاع الموضوع على وجه الحكومة أيضا على ما بنى عليه ، فلا محالة يتعيّن التخصّص ، كما لا يخفى على المتأمّل.
والتحقيق هو ما أفاده شيخنا الأستاذ وفاقا للشيخ (١) قدسسرهما من كون التقدّم على وجه الحكومة لا الورود ولا التخصيص ولا التخصّص.
توضيحه : أنّ الدليلين المتنافيين إن كان أحدهما بمدلوله اللفظي ناظرا إلى الآخر ، كما في قوله عليهالسلام : «الفقيه لا يعيد صلاته» مع قوله عليهالسلام بعد ذلك : «إنّما عنيت بذلك الشكّ بين الثلاث والأربع» (٢) فهو من أوضح موارد الحكومة.
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٥٣ ـ ٤٥٤ ، فرائد الأصول : ٤٠٧.
(٢) تقدّم الحديث وذكر مصادره والتعليق عليه في ج ٣ ص ٥٥٦ والهامش (١).