الأوّل : ما كان المشكوك في أحد الاستصحابين ممّا يترتّب على المستصحب الآخر ، وكان الشكّ فيه مسبّبا عن الشكّ في الآخر ، ولا إشكال في تقدّم الأصل السببي على المسبّبي ، كما سيجيء وجهه.
والمراد بالسببيّة السببيّة الشرعيّة لا التكوينيّة ، إذ لا مانع من شمول الدليل للعلّة والمعلول معا في عرض واحد ، وهكذا المراد بالتسبّب الشرعي ما كان جريان الأصل في السبب موجبا لارتفاع موضوع الأصل المسبّبي ، كما في المثال المعروف ، وهو غسل الثوب النجس بالماء المستصحب الطهارة ، فإنّ الشكّ في طهارة الثوب مسبّب شرعا عن الشكّ في طهارة الماء ، واستصحاب الطهارة في الماء موجب لارتفاع موضوع استصحاب نجاسة الثوب ، فإنّ الثوب ـ بعد حكم الشارع بطهارة الماء المغسول به ـ غسل بالماء الطاهر بحكم الشارع ، فلا يبقى لنا شكّ بعد ذلك في طهارته ، وأمّا مجرّد كون التسبّب شرعيّا من دون أن يكون جريان الأصل في السبب رافعا لموضوع الأصل المسبّبي فلا يفيد في حكومة الأصل السببي على المسبّبي ، كما إذا صلّينا في وبر حيوان لا نعلم أنّه محلّل الأكل أو محرّمه ، فإنّ الشكّ في صحّة الصلاة وإن كان مسبّبا عن الشكّ في كون الوبر ممّا لا يؤكل أو غيره إلّا أنّ استصحاب عدم التذكية لا يثبت أنّ الوبر من ذلك القسم الخاصّ الّذي هو محرّم الأكل ومانع عن صحّة الصلاة ، فإنّ النهي تعلّق بواقع غير المأكول وقسم خاصّ من الحيوان ، كالأرنب وغيره ، لا بالأعمّ من الوجود الواقعي والظاهري ، فلا يكون الأصل السببي ـ وهو استصحاب عدم التذكية ـ رافعا للشكّ في صحّة الصلاة وموجبا للعلم ببطلانها من جهة وقوعها فيما لا يؤكل ، وهذا بخلاف طهارة الثوب ، فإنّها من آثار طهارة الماء المغسول به ، الأعمّ من الظاهريّة والواقعيّة.
وبالجملة ، الميزان في تقدّم أحد الاستصحابين على الآخر بالحكومة هو