وثانيا : أنّه كم فرق بين التعبّد بنجاسة مجموع الكأسين ، والتعبّد بنجاسة هذا بخصوصه وذاك بخصوصه ، فإنّ الأوّل غير معقول ، لأنّا نقطع بعدم نجاسة المجموع فكيف نتعبّد بنجاسته!؟ وهذا بخلاف الثاني ، فإنّ هذا الإناء بخصوصه لا نعلم بطهارته ، فالتعبّد بنجاسته لا محذور فيه ، وذاك الإناء بالخصوص أيضا لا نعلم بطهارته ، فالتعبّد بنجاسته أيضا لا محذور فيه ، غاية الأمر أنّه يلزم العلم بأنّ الشارع تعبّدنا بمعاملة النجاسة مع الطاهر الواقعي ، وهذا ليس بمحذور ، كما تعبّدنا بوجوب الاحتياط عن مالين نعلم إجمالا بكون أحدهما مال الغير والآخر لنا ، وبحرمة النّظر إلى المرأتين اللتين نعلم إجمالا بكون إحداهما فقط أجنبيّة ، وبحرمة قتل شخصين نعلم بمحقونيّة دم أحدهما ومهدوريّة دم الآخر.
والعجب أنّه قدسسره بنى على جريان استصحاب طهارة البدن وبقاء الحدث عند الوضوء بمائع مردّد بين البول والماء ، مع أنّا نعلم وجدانا بخلاف مؤدّاهما.
ومجرّد اختلاف مؤدّى الأصلين لا يوجب الفرق ، بل لو كان العلم الوجداني بخلاف مؤدّى الأصلين مانعا عن الجريان ، لكان مانعا مطلقا ، اختلف مؤدّاهما أو اتّفقا ، لزمت مخالفة عمليّة أو لم تلزم ، كان الأصل من الأصول المحرزة أو غيرها ، وإن لم يكن مانعا ، فلا بدّ من الالتزام بالجريان مطلقا إلّا فيما لزمت منه مخالفة عمليّة.
فالتحقيق : ما أفاده صاحب الكفاية من أنّ الملاك في الجريان وعدمه هو لزوم المخالفة القطعيّة ، وعدمه (١).
نعم ، لو علمنا من إجماع أو غيره التلازم بين أمرين واقعا وظاهرا ،
__________________
(١) كفاية الأصول : ٤٩٢.