ومنهم من بنى ـ كشيخنا الأستاذ (١) قدسسره ـ على حكومتها على الاستصحاب ولو سلّم كونها أيضا أصلا كالاستصحاب بدعوى أنّ دليلها ناظر إلى دليله ، ومبيّن للزوم الحكم بالصحّة فيما شكّ في الإتيان بعد اليقين بعدمه إذا فرغ أو تجاوز ، فهو بمدلوله المطابقي يدلّ على حكم الشكّ المسبوق باليقين بعد الفراغ والتجاوز.
وفيه : أنّه لا بدّ في الحكومة بهذا المعنى من أن يكون دليل الحاكم لغوا لو لا ورود دليل المحكوم ولو متأخّرا ، كما في «لا شكّ لكثير الشكّ» ، فإنّه ـ لو لا وجود دليل متكفّل لبيان أحكام للشكّ ، سابق أو لا حق عليه ليكون ناظرا إليه ـ لغو محض لا تترتّب عليه فائدة أصلا. وهكذا أدلّة الحرج والضرر ، فإنّ صحّتها أيضا متوقّفة على وجود أحكام في الشريعة ، وفي المقام ليس الأمر كذلك ، ضرورة صحّة التعبّد بعدم الاعتناء بالشكّ بعد الفراغ أو التجاوز ولو لم يكن الاستصحاب مجعولا أصلا ، فالصحيح ـ على تقدير كون كلتيهما أمارتين كما هو الصحيح أو أصلين ـ أنّ تقديم دليل الاستصحاب على دليلها موجب للغويّة دليلها ، لاختصاص دليلها حينئذ بموارد نادرة لا يناسب مثل هذا الاهتمام لأجلها ، إذ ما من مورد غالبا من موارد قاعدتي الفراغ والتجاوز وأصالة الصحّة في عمل الغير إلّا وهو مورد لجريان استصحاب عدم الإتيان ، فبتقديم دليل الاستصحاب على دليلها لا يبقى له إلّا موردان :
أحدهما : ما إذا شكّ بعد الفراغ في أنّه صلّى بلا طهارة أو معها ، وكانت له قبل الصلاة حالتان متبادلتان لا يجري فيهما الاستصحاب ، للتعارض أو لعدم اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين.
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٦٣ ـ ٤٦٤.