الروايتين الأخيرتين السابقتين أنّها من الأمارات ، وأنّ عدم الاعتناء بالشكّ بعد الفراغ من جهة كاشفيّته بالنسبة إلى القاصد لإتيان المركّب تامّ الأجزاء والشرائط ، عن الإتيان على طبق إرادته الأوّليّة كشفا نوعيّا ، إذ الغالب أنّ الإنسان حين فعله ملتفت إلى جميع خصوصيّاته ومزاياه وبعد ذلك ينسى ، مثلا : إذا كتب مكتوبا إلى صديقه ، فمعلوم أنّه حين الكتابة ملتفت إلى جميع ما يكتب من الخصوصيّات ولكن بعد يوم إذا سئل عن بعض الخصوصيّات و «أنّك كتبت قضيّة كذا أو لا؟» يقول : «نسيت». وهذا واضح حتى أنّ الإنسان غالبا لا يعلم أنّ غداه قبل يومين ما ذا؟ إذا لم يكن معتادا بأكل شيء خاصّ.
وبالجملة ، ظاهر حال المريد لإتيان فعل هو أنّه ملتفت حين إتيانه ويأتي به على طبق إرادته ، واحتمال الإخلال سهوا أو غفلة خلاف الظاهر ، والشارع اعتنى بهذا الظهور ، وجعله حجّة ، على ما يظهر من قوله : «أذكر منه حين يشكّ» وقوله : «أقرب إلى الحقّ منه بعد ذلك» وإن كانت الروايات الأخر ساكتة عن ذلك ، بمعنى أنّه لا يستفاد منها شيء لا أماريّة القاعدة ولا كونها أصلا ، فإنّها في مقام بيان التعبّد بعدم الاعتناء بالشكّ بعد الفراغ ، ولا يستفاد أنّه لمجرّد التعبّد أو من جهة الكاشفيّة النوعيّة ، لكن فيهما غنى وكفاية ، فلا إشكال في كونها أمارة.
إلّا أنّ هنا إشكالا وهو أنّ لازم أماريّتها حجّيّة لوازمها العقليّة ، فلازم جريان قاعدة الفراغ في صلاة لأجل الشكّ في كونها مع الطهور أو لا هو صحّة الإتيان بصلاة أخرى بلا تحصيل طهور مع أنّه لا يمكن الالتزام به ، ولم يفتوا به أيضا ، لأنّ الصلاة الثانية غير ماضية ، والمكلّف لم يفرغ ولم يخرج منها ، فكيف يشملها ما أخذت فيه عناوين «المضيّ» و «الفراغ» و «الخروج من العمل والدخول في غيره» من الروايات!؟.