ودفع هذا الإشكال منحصر بما ذكرنا في بحث الاستصحاب من أنّ هذا الكلام المشهور «مثبتات الأمارات حجّة دون الأصول» ممّا لا أصل له ، بل الحجّيّة تابعة لمقدار دلالة الدليل بلا فرق بين كون الدليل دليل حجّيّة الأصل أو الأمارة ، والمقدار المستفاد من دليل حجّيّة الأمارات هو حجّيّتها في مدلولاتها المطابقيّة ، وأمّا مدلولاتها الالتزاميّة فلا تثبت بنفس دليل حجّيّتها ، بل لا بدّ له من دليل آخر ، وهو موجود في البيّنات والأقارير والإخبارات ، ولذا جعل الظنّ حجّة في باب القبلة بمقتضى قوله عليهالسلام مضمونا : «يجزئ التحرّي أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة» (١) مع أنّ لازمه ـ وهو دخول الوقت ـ لا يثبت.
وبالجملة ، أماريّة قاعدة الفراغ كأماريّة الاستصحاب ، التي قلنا بها ، فكما لا تكون في لوازمه حجّة مع كونه أمارة على المختار ، كذلك لا تكون في لوازمها حجّة ، لعدم استفادتها من دليل حجّيّتها.
وبعد ذلك يقع الكلام في مسائل :
الأولى : في عموم الأخبار وخصوصها.
لا إشكال في عموم قاعدة الفراغ لجميع العبادات والمعاملات : العقود والإيقاعات ، وعدم اختصاصها بخصوص الصلاة والطهارات الثلاث ، لعموم رواياتها.
وأمّا قاعدة التجاوز : فصريح كلام شيخنا الأنصاري قدسسره هو عمومها أيضا غاية الأمر أنّه خرجت منها الطهارات الثلاث ، الوضوء بالنصّ وغيره بعدم القول بالفصل (٢).
__________________
(١) الكافي ٣ : ٢٨٥ ـ ٧ ، التهذيب ٢ : ٤٥ ـ ١٤٦ ، الاستبصار ١ : ٢٩٥ ـ ١٠٨٧ ، الوسائل ٤ : ٣٠٧ ، الباب ٦ من أبواب القبلة ، الحديث ١.
(٢) فرائد الأصول : ٤١٢.