الخاصّة القائمة بالنفس ، ضرورة أنّ اليقين بعدالة زيد إذا لوحظ نفسه مع قطع النّظر عن الزمان فهو منتقض قطعا ، فلا معنى لحرمة نقضه ، وإذا لوحظ مع ظرفه ، فبالنسبة إلى ظرف الحدوث باق قطعا ، فإنّ اليقين بعدالة زيد في يوم الجمعة الآن أيضا موجود ، إذ الكلام ليس في الشكّ الساري ، وبالنسبة إلى ظرف البقاء مرتفع جزما ، فما معنى حرمة نقضه؟ بل المراد منه هو اليقين بما هو مقتض للجري العملي ، والحركة على طبق المتيقّن به ، فإنّ الإنسان ـ بمقتضى جبلّته وطبيعته الأوّليّة ـ جالب لما ينفعه ، ومتحرّك نحو ما تيقّن أنّه نافع له ، ودافع لما هو مضرّ له.
ثمّ إنّ اليقين له مزيّة على العلم والقطع ، فإنّه ـ على ما يظهر من موارد استعمالاته ـ يطلق على ما له ثبوت واستمساك وإبرام في النّفس ، فإنّه من «يقن الأمر» من باب «تعب» : إذا ثبت ، ولا يطلق إلّا على ما حصل العلم به بمقدّمات وتعب ، ولذا لا يطلق (١) على الله تبارك وتعالى أنّه متيقّن ، وهذا بخلاف القطع ، فإنّه في مقابل الترديد ، ومعناه الوقوف ، فكأنّ القاطع انقطع ووقف على
__________________
(١) أقول : إن كانت لهذه العناوين : العلم ، والقطع ، واليقين خصوصيّة اعتباريّة ، لا توجب عدم صحّة إطلاق بعضها على البارئ تعالى ، بل إطلاقها عليه تعالى صحيح. نعم إطلاق «القاطع» و «المتيقّن» على نحو العلم عليه تعالى غير صحيح لكن ذلك من حيث توقيفيّة أسماء الله تعالى لا أن يكون غير صحيح واقعا ، فإطلاق «القاطع» و «المتيقّن» كإطلاق «العالم» بلا فرق إلّا أنّ هذا ورد في القرآن والأدعية وأنّهما لم يردا ، ولا يكون هذا فارقا في صحّة الإطلاق واقعا ، ولذا لا يوجب إطلاق «القاطع» و «المتيقّن» عليه تعالى كفرا ، ولا فرق بينها فيما نحن فيه أيضا. هذا أوّلا.
وثانيا : أنّ لازمه أنّه لو كان المستصحب مقطوعا أو معلوما ، لما كان يجري الاستصحاب ، وليس كذلك.
وثالثا : كثيرا ما يستعمل الأعاظم كلمة العلم والقطع مكان اليقين ، وهذا كاشف عن أنّ كلّها بمعنى واحد. (م).