والضابط الكلّي لما ذكرنا أنّ الأثر ـ كالملكيّة والزوجيّة وغيرهما ـ إذا كان مترتّبا على أمور متعدّدة ، فلا بدّ من إحراز ما لا تجري فيه أصالة الصحّة.
ومن هنا يظهر حكم الفرع المعروف من أنّه إذا أذن المرتهن ثمّ رجع وشكّ في تأخّر رجوعه عن بيع الراهن حتى يصحّ بيعه ، أو تقدّمه حتى يبطل ، وأنّه لا يصحّ التمسّك بأصالة الصحّة لا في الإذن ولا في البيع ولا في الرجوع ، فإنّ بعضا أثبت صحّة البيع بجريانها فيه وبعضا أثبتها بجريانها في الإذن وبعضا أثبت بطلان البيع بأصالة الصحّة في الرجوع.
وليس شيء من هذه الوجوه بتامّ ، أمّا أصالة الصحّة في الإذن : فمقتضاها ليس إلّا أنّه لو تعقّبه البيع تترتّب عليه الملكيّة. وأمّا أصالة الصحّة في الرجوع أيضا : فمقتضاها أنّه لو وقع بعده البيع لا تترتّب عليه الملكيّة ووقع باطلا. وأمّا أصالة الصحّة في البيع : فلا تفيد ما لم يحرز كونه مسبوقا بالإذن ، فبأصالة الصحّة لا يمكن إثبات شيء لا صحّة البيع ولا بطلانه. والأصل الموضوعي ـ وهو استصحاب بقاء الإذن إلى زمان وقوع البيع ـ وإن كان يثبت صحّة البيع إلّا أنّه معارض بأصل موضوعيّ آخر ، وهو استصحاب عدم حدوث البيع إلى زمان الرجوع ، المقتضي لعدم وقوع البيع في زمان يترتّب عليه الأثر فيه ، وهو زمان الإذن ، فتصل النوبة إلى الأصل الحكمي ، وهو أصالة بقاء كلّ ملك في ملك مالكه الأصلي وعدم انتقاله عنه إلى غيره ، فينتج بطلان البيع.
الجهة السادسة : أنّه لا بدّ في جريان أصالة الصحّة من إحراز أنّ الفاعل قصد ما هو جامع بين الصحيح والفاسد ، لترتيب أثر الصحيح ، فإذا كان الأثر مترتّبا على فعل خاصّ ، فلا بدّ من إحراز كون الفاعل قاصدا له سواء كان القصد ممّا له دخل في تحقّق عنوان الفعل ـ بأن كان الفعل من العناوين القصديّة كعنوان التعظيم والتوهين ـ أو لم يكن ، وسواء كان من العبادات أو غيرها.