فصل :
في مفهوم التعارض وموارده.
لا يخفى أنّ هذا البحث من أهمّ المباحث الأصوليّة ، وله فوائد كثيرة في الفقه ، لاحتياج جلّ الفروع الفقهيّة إليه. ولا إشكال في كونه من المسائل الأصوليّة ، لوقوعه في طريق الاستنباط ، بمعنى أنّه يستنتج منه الحكم الكلّي من بعد ضمّ صغراه إليه.
ثمّ إنّ التعارض عبارة عن تنافي مدلولي الدليلين بحيث لا يمكن اجتماعهما في موردهما بالذات أو بالعرض من جهة التناقض بأن يكون مدلول أحدهما وجوب شيء ، والآخر عدم وجوبه ، أو من جهة التضادّ بأن يكون مدلول الآخر استحبابه.
ونعني ب «بالذات» عدم إمكان الاجتماع بين المدلولين المطابقيّين ، كالمثالين المذكورين ، و «بالعرض» عدم اجتماع المدلول المطابقي في أحدهما مع المدلول الالتزامي في الآخر ، كما إذا كان مدلول دليل وجوب الظهر في يوم الجمعة ومدلول آخر وجوب الجمعة فيه ، فإنّ وجوب كلتا الصلاتين ممّا لا محذور فيه لكن ـ بما أنّ الإجماع قام على عدم وجوب أزيد من خمس صلوات في كلّ يوم وليلة ، ولا شكّ في الأربع الأخر غير الظهر ـ يدلّ دليل وجوب الظهر بالالتزام على عدم وجوب الجمعة وهكذا العكس ، فيقع التنافي بين المدلول المطابقي من أحدهما والالتزامي من الآخر.
وبالجملة ، لا بدّ في تحقّق التعارض من عدم إمكان الجمع بين مدلولي الدليلين ذاتا أو عرضا ، وبدونه لا تعارض.