وما يكون ناظرا إلى عقد الحمل ورافعا لمحمول دليل المحكوم ، كما في دليل «لا ضرر في الإسلام» و (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الناظرين إلى أدلّة الأحكام ، الرافعين لقسم خاصّ منها ، وهو الحرجيّ والضرريّ منها.
الثالث : أن يكون دليل الحاكم رافعا لموضوع دليل المحكوم بلا نظر في البين ، وهذا كما في حكومة أدلّة الأمارات على أدلّة الأصول الشرعيّة بناء على ما اخترناه من أنّ المجعول في باب الأمارات نفس العلم والكاشفيّة والطريقيّة ، فإنّ موضوع أصالة البراءة مثلا هو الشكّ ، وبعد قيام الأمارة على وجوب السورة مثلا لا يكون المكلّف شاكّا في نظر الشارع.
والفرق بين هذا القسم من الحكومة والورود : أنّ ارتفاع الموضوع في باب الورود وجداني ، ومنشؤه أمر وجداني آخر ، وهو التعبّد بخمريّة المائع المشكوك ، فإنّ نفس التعبّد قطعي وجداني ليس بتعبّدي ، وفي باب الحكومة تعبّدي منشؤه متعلّق ذلك التعبّد الوجداني ، وهو خمريّة المشكوك.
وبالجملة ، نفس التعبّد بمنزلة العلم والصورة وأنّه وجداني ، وارتفاع الموضوع به ورود ، والمتعبّد به بمنزلة المعلوم والمتصوّر الّذي لا يكون ثابتا بالوجدان ، وإنّما هو ثابت بواسطة التعبّد وبواسطة الصورة ، وارتفاع الموضوع بمثله حكومة. وإن شئت سمّه بالورود ، لعدم اختلاف الحكم باختلاف الاسم.
والجامع بين جميع أقسام الحكومة أن يكون أحد الدليلين إمّا ناظرا إلى عقد حمل الدليل الآخر أو رافعا لموضوعه رفعا تعبّديّا.
ومن الواضح أن لا تنافي بين دليلي الحاكم والمحكوم بجميع أقسام الحكومة ، لعدم انحفاظ وحدة الموضوع في بعض والمحمول في آخر ، وهي ممّا لا بدّ منه في حصول التنافي والتعاند.