نعم ، هناك شبهة عويصة هي شمول الدليل لأحدهما تخييرا ، وأجبنا عنها هناك مفصّلا ، فراجع (١).
والجواب عن الثاني : أنّ ما أفاده تامّ لو كان المدلول الالتزامي تابعا للمطابقي في مقام الدلالة والإثبات فقط دون مقام الحجّيّة لكن ليس الأمر كذلك ، والشاهد على ذلك ملاحظة بناء العقلاء والسيرة المتشرّعة على العمل بالبيّنة ، مثلا : إذا أخبرت البيّنة بإصابة البول للثوب ، فقد أخبرت بالالتزام بنجاسة الثوب ، فهل يحكم بنجاسة الثوب إذا علم بكذب البيّنة؟ وإذا كان مال في يد زيد وادّعى كلّ من عمرو وبكر أنّه له ، وأقام كلّ على دعواه بيّنة ، فهل يحكم بكون المال مجهول المالك وينتزع من يد زيد من جهة تساقط البيّنتين في المدلول المطابقي لا في المدلول الالتزامي ، وهو عدم كون المال لزيد؟
وحلّه : أنّ المدلول الالتزامي الّذي أخبرت به البيّنة التزاما ليس إلّا الحصّة الملازمة للمدلول المطابقي ، فإنّ الإخبار بطلوع الشمس إخبار بوجود الضوء الملازم لطلوع الشمس لا بمطلق الضوء ، وهكذا الإخبار بإصابة البول للثوب إخبار بالالتزام عن النجاسة الملازمة لإصابة البول لا مطلقا ، وهكذا إخبار البيّنة بكون المال لعمرو أو بكر إخبار بالالتزام بعدم ملكيّة زيد له ، الملازم لملكيّة عمرو أو بكر لا مطلقا ، فإذا فرض القطع بكذب الخبر في مدلوله المطابقي وسقوطه عن الكاشفيّة بالقياس إليه ، يقطع بكذبه في مدلوله الالتزامي أيضا ، ومن الواضح أنّ دليل الحجّيّة لا يشمل ما لا يكون مدلولا للبيّنة لا مطابقة ولا التزاما ، وهو تلك الحصّة من النجاسة غير الملازمة لإصابة البول ، التي أخبرت بها ، وأمّا شموله لهذه الحصّة الملازمة فمعلوم أنّه بتبع شموله لما يلازمها من
__________________
(١) راجع ج ٣ ص ٣٧٦ وما بعدها في مبحث أصالة الاشتغال.