لا ما مضى.
ثمّ ـ بعد التكلّم في التنافي بين الدليلين ، والفرق بين التنافي من جهة التزاحم والتنافي من جهة التعارض ، وبيان ما تقتضيه القاعدة في باب التزاحم من الترجيح أو التخيير ، وفي باب التعارض من الترجيح لو كان أحدهما أظهر ، والتساقط لو لم يكن ـ يقع الكلام في تعارض أكثر من دليلين ، وأنّه هل لا بدّ من ملاحظة النسبة ـ لو كان بعضها عامّا وبعضها خاصّا ـ قبل العلاج أو بعده؟ ويسمّى هذا البحث ببحث انقلاب النسبة.
وصاحب الكفاية قدسسره أنكره ، نظرا إلى أنّ النسبة إنّما هي بملاحظة الظهورات ، وتخصيص العامّ بمخصّص منفصل ـ ولو كان قطعيّا ـ لا ينثلم به ظهوره وإن انثلمت به حجّيّته (١).
ولنقدّم مقدّمة تهدم أساس هذا الإنكار ، فنقول : إنّ للّفظ دلالات ثلاثا :
الأولى : الدلالة التصوّريّة المسمّاة عند القوم بالدلالة الوضعيّة ، وهي دلالة اللفظ على معناه ولو كان صادرا عن لافظ بلا شعور واختيار ، أو علم أنّه لم يكن قاصدا لمعناه ، كما إذا قال : «الكلمة إمّا اسم كأسد ، أو فعل كضرب ، أو حرف كمن» فإنّه في هذا المقام لم يقصد من ألفاظ «أسد» و «ضرب» و «من» إلّا ألفاظها ولم يرد معناها.
الثانية : دلالة اللفظ على أنّ المتكلّم به في مقام تفهيم معناه ، المسمّاة عند القوم بالدلالة التصديقيّة ، وعندنا بالدلالة الوضعيّة ، لما قرّرناه في محلّه من أنّ الأولى دلالة أنسيّة ناشئة من أنس المخاطب بالمعنى ، فبمجرّد تصوّره أو سماعه ينتقل إلى معناه ، وأمّا الدلالة الوضعيّة فهي الدلالة الثانية ، لأنّ حقيقة
__________________
(١) كفاية الأصول : ٥١٤ ـ ٥١٥.