الوضع عندنا هو التعهّد ، وأنّه متى ما تكلّم بكلمة كذا أراد تفهيم معنى كذا.
الثالثة : دلالة اللفظ على أنّ ما قصد تفهيمه هو مراده الجدّي. وبعبارة أخرى : دلالته على مطابقة المراد الجدّي للمراد الاستعمالي. هذه أقسام الدلالات.
ولا ريب في أنّ الأولى منها لا تنثلم بالقرينة المتّصلة ولا بالمنفصلة ، كما لا ريب في أنّ الثانية تنثلم بالقرينة المتّصلة ، فإذا قال : «أكرم العلماء إلّا زيدا» لا يدلّ العامّ في هذا الكلام على العموم ، ولا يكون كاشفا مع احتفافه بقرينة «إلّا زيدا» عن قصد المتكلّم تفهيم العموم ، وحينئذ يرتفع موضوع الدلالة الثالثة ، فلا تدلّ هذه الجملة على أنّ المتكلّم أراد العموم جدّاً ، فإنّ الثالثة متوقّفة على دلالة اللفظ على قصد المتكلّم تفهيم العموم ، فبدونها لا موضوع للدلالة الثالثة.
وأمّا بالقرينة المنفصلة ـ بأن قال منفصلا عن قوله : «أكرم العلماء» : «لا تكرم زيدا» ـ فلا تنثلم الدلالة الثانية ، وإنّما تنثلم بذلك الدلالة الثالثة ، وهي دلالته على أنّ ما قصد تفهيمه من العموم مطابق لمراده الجدّي ـ وما يكون من بناء العقلاء هي هذه الدلالة الثالثة ، وعند القوم الثانية والثالثة كلتاهما من بناء العقلاء ، وليس لنا شغل في إثبات ذلك ، لعدم دخله فيما يهمّنا ـ وحينئذ نقول : إن كان المراد من القول المعروف : «إنّ الظهور لا ينثلم بالقرينة المنفصلة وإنّما تنثلم بها حجّيّته» أنّ الدلالة الثانية لا تنثلم ، وإنّما تنثلم الدلالة الثالثة ، فالأمر كما ذكروا ، ولازم ذلك هو انقلاب النسبة.
وإن كان المراد أنّ شيئا من الدلالات الثلاث لا ينثلم حتى الثالثة منها ، فهو غير صحيح ، إذ لا وجه ـ بعد عدم انثلامها ـ لعدم الحجّيّة ، فإنّ الحجّيّة هي بمعنى صحّة احتجاج المولى على عبده ، والعبد على مولاه ، ومن الواضح أنّ موضوعها هو الدلالة الثالثة ، فهي دائرة مدارها وجودا وعدما ، فلو علم بقرينة