الأولى : أنّ العقل الحاكم ، بل كلّ حاكم ومقنّن لا يعقل أن لا يدري موضوع حكمه وقانونه ، وأنّ أيّ شيء له دخل في حكمه ، وأيّ شيء ليس كذلك ، فالعقل إذا حكم بحكم على موضوع ، يكون جميع ما أخذ في الموضوع من القيود والخصوصيّات ممّا له دخل في حكمه ، وممّا له قوام موضوع حكمه ، فإذا انتفى قيد من القيود ، يرتفع موضوع حكمه ، ويقطع بأنّه لا حكم له.
الثانية : أنّ الحكم الشرعي الثابت لهذا الموضوع بتبع حكم العقل بقاعدة الملازمة أيضا يرتفع بارتفاع موضوع الّذي هو عين موضوع حكم العقل بسبب انتفاء قيد من قيوده ، فالموضوع إن كان باقيا بجميع قيوده ، فلا شكّ في بقاء الحكم أيضا ، وإن لم يكن باقيا كذلك ، يقطع بارتفاع الحكم ، فنقض اليقين باليقين لا بالشكّ (١).
وأجاب شيخنا الأستاذ قدسسره عن مقدّمته الأولى بأنّ حكم العقل ليس مركّبا من قضيّة إيجابيّة وقضيّة أخرى سلبيّة ، بمعنى أنّه يحكم بوجود ملاك الحكم الشرعي في هذا الموضوع مع هذه الخصوصيّات العشر ، ويحكم أيضا بعدم الملاك فيما إذا انتفت واحدة منها حتى يكون حكمه إمّا مقطوع الوجود أو مقطوع العدم ، بل العقل يدرك أنّ هذا الموضوع مع هذه الخصوصيّات العشر ، فيه ملاك الحكم الشرعي ، وفي صورة انتفاء إحداها لا يدرك وجود الملاك ، لا أنّه يدرك عدمه ، فإذا كان الموضوع باقيا بنظر العرف ، ويحتمل أنّ مناط حكم الشارع أعمّ من مناط حكم العقل ، فلا مانع من استصحاب الحكم الشرعي (٢).
وهذا الجواب غير تامّ ، إذ مراد الشيخ من الحكم العقلي في المقام ـ على
__________________
(١) فرائد الأصول : ٣٧٨ ـ ٣٧٩.
(٢) أجود التقريرات ٢ : ٣٥١ ـ ٣٥٢.