فصل :
قد ذكرنا أنّ التعارض إنّما يكون فيما إذا لم يمكن الجمع العرفي ، وهو إمّا أن يكون بنحو التباين أو العموم من وجه ، لا إشكال في عدم سقوط المتعارضين بالعموم من وجه في مادّتي الافتراق عن الحجّيّة ، ولم يقل أحد بذلك فيما نعلم ، وليس لأحد أن يقول به ، فإنّ رفع اليد عن الدليل بالمرّة بعد حجّيّته وعدم تعارضه بمجرّد عدم إمكان العمل بمقدار من مدلوله بلا وجه.
وأمّا المتباينان فعلى أقسام :
الأوّل : ما يكون كلّ منهما مقطوع الصدور ، فالتعارض يقع بين الظهورين ، مثلا : إذا علم بصدور كلّ من «أكرم العلماء» و «لا تكرم العلماء» أو «ثمن العذرة سحت» و «لا بأس ببيع العذرة» يعلم إجمالا بإرادة خلاف الظاهر من أحدهما ، فأصالة الظهور في كلّ منهما تعارض أصالة الظهور في الآخر ، لعدم إمكان التعبّد بكلا الظهورين ، فيصيران في حكم المجمل.
ولا يجوز التأويل والجمع بينهما بحمل أحدهما على شيء ، والآخر على شيء آخر على ما هو ظاهر الشيخ (١) قدسسره ، فإنّ المراد غير معلوم ، ولا بدّ في تعيينه من ظهور أو قرينة خارجيّة ، ولا يمكن تعيينه من عندنا ، فإنّه افتراء على الله. وهذا الكلام المعروف من أنّ «الجمع مهما أمكن أولى من الطرح» كلام شكيل لا معنى له لو كان المراد منه الجمع التبرّعي أو التورّعي ـ كما في بعض
__________________
(١) فرائد الأصول : ٤٣٤.