المرجّحات موجب لأن لا يبقى لها مورد إلّا نادرا ، إذ قلّما يتّفق تساوي الخبرين وعدم ترجيح أحدهما بمرجّح ما.
وفيه : أنّ دليل المقيّد بيان ، وقبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ليس كقبح الظلم ، بل كقبح الّذي ربما يرتفع بمصلحة فيه ، وقد أفاد شيخنا الأستاذ قدسسره أنّا لم نجد إطلاقا أقوى من إطلاق قوله عليهالسلام : «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال» (١) ومع ذلك نقيّده.
وأمّا عدم بقاء المورد فيلزم على القول بالتعدّي عن المرجّحات المنصوصة إلى مطلق ما يكون مرجّحا لا على القول المختار من الاقتصار على ما في الأخبار من المرجّحات الثلاث : الشهرة ، وموافقة الكتاب ، ومخالفة العامّة ، إذ ما يكون خاليا عن هذه الثلاث من الخبرين المتعارضين ـ ممّا لا يكونان بمشهورين وليس مضمونهما في الكتاب ويكون كلاهما موافقا أو مخالفا للعامّة ـ في غاية الكثرة.
ومن الوجوه التي أفادها : أنّ أجمع خبر للمزايا المنصوصة هو المقبولة والمرفوعة ، وهما ـ مضافا إلى أنّ المرفوعة ضعيفة سندا ـ واردتان في مورد الحكومة والتنازع والتخاصم ، والتعدّي إلى مورد الفتوى ـ الّذي هو محلّ الكلام ـ لا دليل عليه (٢).
وفيه ـ مضافا إلى كفاية غيرهما ممّا يدلّ على الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة ، ومضافا إلى عدم ورود المرفوعة في مورد الخصومة ـ : أنّ الإمام عليهالسلام في المقبولة ـ بعد ما سقط حكم الحكمين بالتعارض والتساوي في
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٦٧ ـ ٢٧٦ ، التهذيب ٤ : ٣١٨ ـ ٩٧١ ، الوسائل ١٠ : ٣١ ، الباب ١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.
(٢) كفاية الأصول : ٥٠٤ ـ ٥٠٥.