ما هو صريح عبارته (١) وتمثيله بحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان وقبح الظلم ـ هو ما استقلّ العقل به ولو لم يكن في العالم شرع ودين ، لا ما يدركه من ملاكات الأحكام ، ضرورة أنّ العقل إذا أدرك ملاك الحكم وعلّته التامّة ، فلا محالة يقطع بالحكم الشرعي ، ولا مجال للبحث عن ثبوت الملازمة بين الحكمين ، إذ لم يستشكل عاقل في منتجيّة الشكل الأوّل حتى الأشعري ، وإدراك العلّة إدراك للمعلوم ، والقطع بالملزوم قطع بلازمه لا محالة.
وبالجملة ، ما أفاده الشيخ في المقدّمة الأولى تامّ لا إشكال فيه.
نعم ، يرد على مقدّمته الثانية ما أورده شيخنا الأستاذ (٢) قدسسره من أنّه لو كان الأمر في الاستصحاب مبنيّا على المسامحة العرفية لا على الدقّة العقليّة ، يجري استصحاب الحكم الشرعي التابع للحكم العقلي ولو انتفى بعض القيود التي لها دخل في مناط حكم العقل ، إذ يمكن أن يكون ملاك الحكم الشرعي قائما بالأعمّ من الواجد والفاقد ، فإذا كان الموضوع باقيا عرفا وكان محكوما بحكم شرعي في زمان وشكّ فيه بعد ، يصدق نقض اليقين بالشكّ ، فيجري الاستصحاب بلا إشكال.
وبالجملة ، في كلّ مورد صدق فيه نقض اليقين بالشكّ عرفا ، يجري الاستصحاب ، فلا وجه للتفصيلات المذكورة في المقام.
نعم ، هناك تفصيل ـ أشرنا إليه سابقا وأنّه المختار وفاقا للفاضل النراقي (٣) وقاطبة المحدّثين ـ وهو جريان الاستصحاب في الشبهات الموضوعيّة ، والأحكام الكلّيّة التي نشأ الشكّ فيها من الشكّ في النسخ وعدمه ، والأحكام
__________________
(١) فرائد الأصول : ٣٧٨.
(٢) أجود التقريرات ٢ : ٣٥٢ ـ ٣٥٣.
(٣) مناهج الأصول : ٢٤١ ـ ٢٤٢.