بقي الكلام في جهات أخر :
الأولى : في عدد المرجّحات ، وهو منحصر بالشهرة ، ومخالفة العامّة ، وموافقة الكتاب. وأمّا صفات الراوي من الأصدقية والأفقهية فليست من المرجّحات ، لعدم كونها مذكورة في شيء من الروايات إلّا المرفوعة ، وقد عرفت أنّها في نهاية الضعف.
وأمّا ما ذكر في المقبولة فهو لترجيح حكم الحاكم الأفقه على غيره بما هو حاكم لا بما هو راو ، ولم يذكرها الكليني أيضا مع ذكره المقبولة في كتابه بل لم يذكرها أحد من المشايخ الثلاث مع أنّ المقبولة مرويّة عنهم.
واعتذار الشيخ قدسسره بأنّ عدم ذكرهم لها لعلّه من جهة وضوح اعتبارها (١) غريب ، ضرورة أنّ مخالفة العامّة وموافقة الكتاب تكونان أوضح من صفات الراوي بمراتب فعدم ذكرهما أولى.
وهكذا لا يسمع إلى ما نقله الشيخ عن بعض المحدّثين من أنّ عدم ذكر الكليني قدسسره لها من جهة أنّ روايات الكافي كلّها صحيحة عنده (٢) ، لأنّ دعوى أنّ روايات الكافي كلّها متساوية من جهة صفات رواته ـ بأن لم يكن تفاضل بينهم أصلا ـ دعوى غير معقولة.
نعم ، جميع الروايات كانت معتبرة في نظره ولو كان بعضها صحيحا وبعضها موثّقا ، بل تقسيم الخبر إلى الصحيح والموثّق والحسن وغير ذلك اصطلاح من العلّامة قدسسره ، ولم يكن ينظر من قبله إلى صفات الراوي ، بل كان يعمل بما في المجاميع المعتبرة مع عمل الأصحاب كائنا ما كان.
فاتّضح أنّ صفات الراوي ليست من المرجّحات ، لعدم الدليل على
__________________
(١ و ٢) فرائد الأصول : ٤٤٩.