الآخر ، فاختيار المكلّف يكون جزءا أخيرا لموضوع الحجّيّة.
ثمّ إنّ الظاهر أنّ النزاع في كون التخيير ابتدائيّا أو استمراريّا مبتن على ذلك ، فإن قلنا بأنّ التخيير تخيير في المسألة الفرعيّة ، فلا إشكال في كونه استمراريّا ، إذ معناه أنّ المكلّف مخيّر ـ مثلا ـ في القصر والإتمام في المورد الّذي جاءه حديثان مختلفان في ذلك ، وإن قلنا بأنّه تخيير في المسألة الأصوليّة ، فلا إشكال في كونه ابتدائيّا ، لأنّ معناه أنّ ما اختاره هو الحجّة ، والآخر ساقط عن الحجّيّة ، وبعد سقوطه عنها عودها يحتاج إلى دليل.
وحيث استظهرنا من الأدلّة كونه تخييرا في المسألة الأصوليّة ـ بقرينة أخبار الترجيح أوّلا وظهور نفس أخبار التخيير ثانيا من جهة أنّ الأخذ بالخبر ظهوره في العمل بمضمونه وجعله سندا ومدركا وحجّة له ـ يكون التخيير ابتدائيا.
وقد ذكرنا أنّ ما عبّر بلفظ «بأيّ منهما عملت وسعك» مثلا غير آب عن التخيير في المسألة الفرعيّة ، والآن نقول : إنّ ظاهر العمل بالخبر أيضا هو الأخذ بمضمونه والالتزام بمدلوله ، ومن الواضح أنّ معنى الأخذ بأحد الخبرين ـ اللذين مفاد أحدهما وجوب فعل ، ومفاد الآخر إباحته ـ ليس هو إلّا الالتزام بمفاد أحدهما من الوجوب أو الإباحة ، وهكذا معنى العمل بأحدهما ليس إلّا العمل بمضمونه من الالتزام بالوجوب أو الإباحة ، فعلى ذلك مفاد جميع الأخبار متّحد ، وهو جعل أحدهما دليلا وحجّة باختياره ، ولا إشكال في صحّة جعل الشارع ما يكون فيه اقتضاء الطريقيّة طريقا ولو بعد اختيار المكلّف ، فقبل اختيار المكلّف لا يكون شيء منهما حجّة ، وبعد اختياره يجعله الشارع طريقا ، نظير ما إذا جعل الشارع الاستخارة طريقا إلى حكم ، فإنّه ممّا لا محذور فيه أصلا ، ولا يعقل جعل أحدهما طريقا قبل اختيار المكلّف ، فإنّ جعل الطريق