تذييل : هل أخبار علاج التعارض شاملة للعامّين من وجه أو لا؟ فيه خلاف وإشكال.
ومنشأ الإشكال أنّ تقديم أحد العامّين من وجه تعيينا أو تخييرا موجب لإلغاء الحجّة بلا حجّة.
مثلا : تقديم «أكرم العلماء» على «لا تكرم الفسّاق» موجب لإلغاء «لا تكرم الفسّاق» في مورد الافتراق ـ يعني الفاسق غير العالم ـ بلا سبب وبلا حجّة ، إذ لا تعارض في مورد الافتراق.
وإن قدّم في بعض مدلوله ـ وهو خصوص مورد التعارض ـ لا تمام مدلوله ، فلازمه التفكيك في كلام واحد ، والالتزام بصدور بعضه دون بعض.
ومن هذه الجهة ذهب شيخنا الأستاذ قدسسره إلى الرجوع إلى المرجّحين الأخيرين : موافقة الكتاب ، ومخالفة العامّة ، وألغى المجمع عليه ، نظرا إلى أنّه مرجّح صدوريّ ، والكلام الواحد إمّا صادر بتمامه أو ليس بصادر ، فإذا لم يكن كونه مرجّحا لأحد العامّين من وجه بتمام مدلوله ، يرجع إلى المرجّحين الآخرين : الجهتي والمضموني (١).
ويرد عليه ما ذكرنا من أنّ الترجيح من جهة الصدور أوّلا ثمّ بالجهة ثمّ بالمضمون اجتهاد في مقابل النصّ ، إذ هو أرجعنا في الخبرين المتعارضين إلى المجمع عليه أوّلا ثمّ موافق الكتاب ثمّ مخالف العامّة ، فإن كان النصّ شاملا للعامّين من وجه ، فلا بدّ من الترجيح بكلّ من الثلاث على الترتيب ، وإلّا فلا بدّ من إلغاء الجميع لا الترجيح ببعض دون بعض.
فالتحقيق أن يقال : لا يخلو المقام عن ثلاثة أقسام :
__________________
(١) فوائد الأصول ٤ : ٧٩٢ ـ ٧٩٣.