فصل :
ينقسم الاجتهاد إلى مطلق وتجزّ ، فالمطلق ما لا يكون مقيّدا ببعض الأحكام دون بعض ، بل يكون ساريا في جميع الأحكام ، والتجزّي ما يكون مقيّدا بذلك. والأولى التعبير بالاجتهاد المقيّد ، والتعبير بالتجزّي مسامحة ، فإنّ الاجتهاد ـ سواء عرّف بالعلم بالأحكام أو القدرة على استنباطها عن مداركها ـ عرض غير قابل للتجزئة.
وقد مرّ الكلام في المطلق ، وأنّه يحرم على المجتهد المطلق تقليده الغير ، ويجوز له الإفتاء والقضاء على التفصيل المتقدّم ، وأمّا التجزّي ففيه مواضع من الكلام :
الأوّل : في إمكانه. واختلف في ذلك ، فقيل باستحالته ، نظرا إلى أنّ الاجتهاد عبارة عن الملكة ، وهي بسيطة غير قابلة للتجزئة. وقيل بكونه ضروريّا ـ كما في الكفاية (١) ـ بدعوى أنّ الاجتهاد المطلق لا محالة مسبوق بالتجزّي ، لاستحالة الطفرة.
والحقّ هو إمكانه وبطلان القول بالاستحالة أو الوجوب.
أمّا إذا عرّف بالعلم بالأحكام : فواضح ، ضرورة إمكان العلم ببعض المسائل دون بعض.
وأمّا إذا عرّف بملكة الاستنباط والقدرة عليه : فلأنّ النزاع ليس في لفظ التجزّي حتى يقال : إنّ الاجتهاد ملكة وهي بسيطة غير قابلة للتجزّي ، بل
__________________
(١) كفاية الأصول : ٥٣٣.