فصل :
لا ريب في ثبوت التخطئة في العقليّات ، فإذا رأى أحد جواز اجتماع الأمر والنهي ، والآخر امتناعه ، فلا محالة أحدهما مخطئ ، إذ الأمر الواحد لا يمكن أن يكون ممتنعا بالذات في حقّ أحد وممكنا بالذات في حقّ آخر.
وأمّا النقليّات : فأجمعت العدليّة على التخطئة فيها أيضا ، وادّعى بعضهم تواتر الأخبار على أنّ له ـ تبارك وتعالى ـ في كلّ واقعة حكما يشترك فيه العالم به والجاهل. ولو لم يكن في المقام إجماع ولم ترد الروايات أيضا ، لكان مقتضى القاعدة الأوّليّة هو التخطئة ، لأنّ أدلّة الأحكام مطلقة غير مقيّدة بالعالمين بها ، فمقتضى إطلاقها هو ثبوتها في الشريعة المقدّسة في حقّ جميع المكلّفين : العالمين بها والجاهلين ، ولا دخل للعلم والجهل في ثبوت الأحكام وفعليّتها.
نعم ، صاحب الكفاية قدسسره قد تكرّر في كلماته أنّ الأحكام قبل العلم بها أحكام إنشائيّة ، وفي بعض كلماته : أحكام فعليّة من بعض الجهات ، وبالعلم يصير فعليّا أو تتمّ فعليّته (١). وقد ذكرنا ما فيه في محلّه.
وبالجملة ، لا ريب في ثبوت التخطئة ولو على القول بالسببيّة التي يقول بها بعض العدليّة فرارا عن شبهة ابن قبة ، بمعنى أنّ قيام الأمارة سبب لحدوث مصلحة في سلوك الأمارة. وقد ذكرنا في محلّه أنّها عين الطريقيّة.
نعم ، السببيّة الأشعريّة والمعتزليّة ملازمة للتصويب ، ولكنّ الأولى محال ، والثانية مجمع على بطلانها ، كما قرّر في مقرّه.
__________________
(١) انظر : كفاية الأصول : ٣٢٠.