فيه يعملون بقوله ولو مات ولم يعملوا به في زمان حياته.
والموضوع في الأدلّة هو «الرجوع إلى رواة الحديث» و «السؤال من أهل الذّكر» و «النّظر إلى من عرف الأحكام» وأمثال ذلك ، فإذا راجعه أو سأله ، يجوز له العمل بقوله ، ويكون حجّة عليه ـ ولو مات بعد ذلك ـ بمقتضى الإطلاق.
الثاني : أنّ معنى الأعلميّة والأفقهيّة بحسب لفظ «أعلم» و «أفقه» هو أكثر علما وفقها ، فإذا كان أحد عالما بألف مسألة من الفقه أو غيره ، وآخر بألفين ، يكون الثاني أعلم وأفقه ، والمراد من لفظ «أفقههما» في مقبولة عمر بن حنظلة (١) أيضا هذا المعنى ، فإنّه هو معناه العرفي.
لكن هذا المعنى غير مراد في المقام قطعا ، لما ذكرنا من أنّ الرجوع إلى الأعلم لا دليل له إلّا السيرة ، ومن المعلوم أنّ السيرة غير قائمة على الرجوع إلى الأعلم بهذا المعنى ، مثلا : إذا كان هناك طبيبان أحدهما طبيب العين فقط ، والآخر طبيب البدن بأجمعه ، لا يرجع العقلاء في مرض العين إلى خصوص من يكون طبيبا للعين ولغيرها من أجزاء البدن دون من يكون طبيبا للعين فقط ، بل يرجعون إليه أيضا إذا كان مساويا مع غيره في الحذاقة ، بل المراد منه في المقام هو من يكون أدقّ نظرا وأعرف بمزايا الكلام وقرائنه الداخليّة والخارجيّة ، كما هو كذلك في جميع الصناعات ، فنرى أنّ أحد الخيّاطين يخيط ثوبا كأنّه قالب البدن ، والآخر أيضا يخيط لكنّه ليس بهذه الجودة ، وهو الّذي جرت السيرة على الرجوع إليه مع الاختلاف ، فإذا كان هناك مجتهدان أحدهما عارف بجميع الأحكام عن اجتهاد ونظر ، والآخر عارف بمقدار أقلّ منه بكثير لكنّه أدقّ نظرا منه ـ والمراد بالدقّة هي الدقّة التي إذا اطّلع عليها العرف
__________________
(١) الكافي ١ : ٦٧ ـ ٦٨ ـ ١٠ ، الفقيه ٣ : ٥ ـ ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٠١ ـ ٨٤٥ ، الوسائل ٢٧ : ١٠٦ ـ ١٠٧ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١.