الثالث : ما أفاده شيخنا الأستاذ قدسسره من أنّ استصحاب عدم جعل النجاسة أو عدم جعل الوجوب فيما بعد الزوال ليس له أثر ، فإنّ عدم الجعل كالجعل لا يترتّب عليه أثر ما لم يصر المجعول فعليّا في حقّ المكلّف ، مثلا : جعل الحجّ على المستطيع أو عدم جعله عليه لا يترتّب عليه أثر ـ وهو لزوم التحرّك عن هذا التحريك عقلا ، أو جواز ترك الحجّ ـ ما لم يصر هذا التكليف فعليّا بأن وجد جميع شرائطه التي منها الاستطاعة ، فاستصحاب عدم الجعل بنفسه ليس له أثر ، وإجراؤه لإثبات عدم المجعول الّذي له أثر يكون من الأصل المثبت الّذي لا نقول به (١).
وهذا الّذي أفاده غير تامّ ، لما ذكرنا في بحث البراءة من أنّ نسبة استصحاب عدم المجعول إلى استصحاب عدم الجعل ليست من نسبة اللوازم العقليّة إلى ملزوماتها ، إذ ليس هناك وجودان حتى يكون أحدهما لازما للآخر ، بل هناك وجود واحد ، وهو استصحاب عدم اعتبار الشارع ، وعدم جعله للنجاسة ، والأثر العقلي ـ الّذي هو الترخيص في الاستعمال وعدم لزوم الاجتناب ـ إنّما يترتّب على نفس عدم الجعل ، بمعنى عدم اعتبار الشارع نجاسة الماء المتغيّر ، بعد زوال تغيّره.
بيان ذلك أنّ الاعتبار نظير التصوّر ، فكما يمكن أن نتصوّر الموجود بالفعل ونحكم عليه بشيء ، ونتصوّر أيضا أمرا متأخّرا ، ونحكم عليه بشيء ، فنقول : قيام زيد غدا حسن ، كذلك يمكن اعتبار أمر بالفعل بحيث يكون زمان واحد ظرفا للاعتبار والمعتبر معا ، واعتبار أمر متأخّر ، فعلا بحيث يكون ظرف الاعتبار متقدّما على ظرف المعتبر ، والأوّل نظير اعتبار ملكيّة عين من الأعيان
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٠٤ ـ ٤٠٦.