حال هذا العلم الإجمالي حال العلم الإجمالي الّذي فقد بعض أطرافه في عدم سقوطه عن المنجّزيّة ، وهكذا لازمه الالتزام بقاعدة اليقين ، فلو تيقّنّا بعدالة زيد يوم الجمعة ثمّ شككنا في عدالته في ذلك اليوم ، فاليقين الّذي كان منجّزا للحدوث يكون منجّزا للبقاء أيضا.
وإن كان المراد الملازمة الواقعيّة ، فإمّا أن تكون تلك إخبارا عن أنّ كلّ ما ثبت يدوم ، فهو خلاف الواقع ، ولا يحتمل في نفسه ولا في كلامه قدسسره. وإمّا أن تكون إنشاء وجعلا للملازمة بين حدوث الحكم الواقعي وبقائه ، فلازمه كون الاستصحاب من الأمارات ، فإنّ مفاده على هذا إبقاء ما ثبت واقعا بحيث لو دلّ دليل آخر على عدم البقاء يكون معارضا بالاستصحاب.
فالتحقيق في الجواب عن الإشكال أن يقال : إنّ الكلام تارة يقع في الأصول المحرزة وغير المحرزة ، وأخرى في الأمارات.
أمّا الأصول فالحقّ فيها هو التفصيل بين ما كان متعرّضا للبقاء ، وما لم يكن كذلك.
فإن كان متعرّضا للبقاء كالطهارة أو الحلّيّة الثابتة بأصالة الطهارة ، وأصالة الحلّ للثوب أو المائع المحتملة خمريته ، فلا يجري الاستصحاب ، فإنّ مقتضى قوله عليهالسلام : «كلّ شيء نظيف» (١) أو «كلّ شيء لك حلال حتى تعلم أنّه قذر» أو «تعرف أنّه حرام بعينه» (٢) أنّ هذا الحكم الظاهري من الحلّيّة أو الطهارة حكم مستمرّ إلى زمان حصول العلم بخلافه ، فغاية هذا الحكم الظاهري المستمرّ هي حصول العلم بالخلاف ، كما أنّ غاية الحكم الواقعي المستمرّ المستفاد من قوله تعالى : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ)(٣) هي دخول الليل ،
__________________
(١ و ٢) تقدّم تخريجهما في ص ٦٣ ، الهامش (١) و (٣).
(٣) البقرة : ١٨٧.