بقائه ، ولا يلزم من ذلك اجتماع اللحاظين في استعمال واحد كما ذكره في الكفاية في مبحث القطع (١) ، فإنّه يلزم لو كان دليل الأمارة متكفّلا للتنزيل ، وقد مرّ هناك أنّه لا تنزيل أصلا ، بل دليل الأمارة يجعلها علما تعبّدا ، ويعطيها صفة الطريقيّة والوسطيّة في الإثبات ، فيتحقّق بذلك مصداق آخر للعلم وهو الأمارة ، وتترتّب عليها آثاره ، كما لا إشكال في وجوب النقض بالأمارة المؤدّية إلى خلاف الحالة السابقة ، وليس لأحد أن يقول : لا يجوز لك أن تنقض اليقين بطهارة ثوبك مثلا إلّا باليقين ، والبيّنة القائمة على نجاسته ليست من اليقين.
التنبيه الرابع : المستصحب إمّا شخصي أو كلّي. والمراد بالشخصي ما كان لخصوصيّاته دخل في ترتّب الأثر المرغوب منه شرعا ، كما أنّ المراد بالكلّي ما كان ملغاة عنه الخصوصيّات ، ولم يكن لها دخل في الأثر المطلوب منه ، سواء كان من الموجودات المتأصّلة ، كالجواهر والأعراض المسمّاة بالمقولات العشر ، أو من العناوين الانتزاعيّة ، كعنوان العالم والعادل وغير ذلك ، ولا يبتني هذا البحث على وجود الكلّي الطبيعي ، بل لو قلنا بعدم ذلك أيضا ، يجري البحث ، بل المقصود استصحاب ما كان له أثر شرعي ، ولا يكون للخصوصيّة الفرديّة دخل في هذا الأثر ، مثلا : حرمة مسّ كتابة القرآن أثر مشترك بين الحدث الأكبر والأصغر ، وخصوصيّة الأكبريّة والأصغريّة لا دخل لها في ترتّب هذا الأثر ، والغرض صدق نقض اليقين بالشكّ إذا كان هذا الأمر متيقّن الحدوث مشكوك البقاء ، كان الكلّي الطبيعي موجودا في الخارج أو لم يكن ، وليس البحث بحثا فلسفيّا مبنيّا على ذلك ، بل البحث أصولي مبنيّ على صدق نقض اليقين بالشكّ عرفا ، فلو فرض عدم وجود الكلّي الطبيعي في الخارج ،
__________________
(١) كفاية الأصول : ٣٠٦.