فهو بحسب الدقّة العقليّة الفلسفيّة ، لا بالنظر العرفي الّذي هو المتّبع هنا ، وهم يحكمون بأنّ الإنسان موجود ، ولذا يقال : «رأيت إنسانا» كما يقال : «رأيت عالما» مع أنّ العالم وغيره من العناوين الاشتقاقيّة عنوان انتزاعي ليس له غير وجود منشأ انتزاعه ـ وهو وجود الجوهر والعرض ـ وجود ثالث.
وبالجملة ، ما له الأثر أو نفس الأثر إذا كان ثابتا ـ بأيّ نحو من الثبوت ـ وشكّ في بقائه يشمله «لا تنقض اليقين بالشكّ» سواء في ذلك ، الوجود المتأصّل وبالعرض.
وبعد ذلك نقول : إنّ استصحاب الكلّي يتصوّر على أقسام أربعة :
الأوّل : ما كان متحقّقا في ضمن فرد معيّن شخصي باعتبار ترتّب أثر خاصّ على نفس الكلّي من دون مدخليّة الخصوصيّة الفرديّة فيه ، كاستصحاب طبيعيّ الحدث فيما إذا تيقّن أحد بالجنابة وشكّ في اغتساله منها ، فإنّ خصوصيّة كون الحدث حدث جنابة لا دخل لها في ترتّب أثر عدم جواز مسّ كتابة القرآن أصلا ، فلا معنى لاستصحاب خصوص الجنابة لترتيب هذا الأثر ، ولا بدّ من استصحاب كلّي الحدث المتيقّن سابقا ، كما أنّ استصحاب طبيعيّ الحدث لا معنى له لترتيب أثر عدم جواز اللبث في المساجد ، فإنّه أثر لخصوص حدث الجنابة لا كلّي الحدث وطبيعيّة.
الثاني : استصحاب ما كان متحقّقا في ضمن الفرد المردّد بين كونه مقطوع الزوال ومقطوع البقاء ، كما إذا خرجت منه رطوبة مردّدة بين البول والمنيّ ، فإن كانت بولا ، يرتفع بالوضوء قطعا ، وإن كانت منيّا ، لا يرتفع قطعا ، ويلحق بذلك ما كان متحقّقا في ضمن الفرد المردّد بين مقطوع الارتفاع ومحتمل البقاء ، كما إذا علم بوجود إنسان في الدار ونشكّ في أنّه كان زيدا حتى لا يبقى قطعا ، لأنّا نراه خارج الدار الآن ، أو كان عمرا حتى يحتمل بقاؤه