وقال آخرون : لم يكن عجزهم عن الإتيان بمثل لفظه ، وإنما كان عن الإتيان بمثل معناه.
وقيل : لم يعجزوا عنهما ، وإنّما عجزوا عن نظم مثل نظمه ؛ فإن أنواع كلامهم كانت منحصرة فى الأسجاع ، والأشعار ، والأراجيز ، فجاء نظم التنزيل على أسلوب بديع لا يشبه شيئا من تلك الأنواع ، فقصرت أيدى بلاغاتهم عن بلوغ أدنى رتبة من مراتب نظمه.
ومذهب أهل السّنة أنّ القرآن معجز من جميع الوجوه : نظما ، ومعنى ، ولفظا ، لا يشبهه شيء من كلام المخلوقين أصلا ، مميّز عن خطب الخطباء ، وشعر الشعراء ، باثنى عشر معنى ، لو لم يكن للقرآن غير معنى واحد من تلك المعانى لكان معجزا ، فكيف إذا اجتمعت فيه جميعا.
ومجملها إيجاز اللفظ ، وتشبيه الشىء بالشىء ، واستعارة المعانى البديعة ؛ وتلاؤم الحروف ، والكلمات ، والفواصل ، والمقاطع فى الآيات ، وتجانس الصّيغ ، والألفاظ ، وتعريف القصص ، والأحوال ، وتضمين الحكم ، والأسرار ، والمبالغة فى الأمر ، والنهى ، وحسن بيان المقاصد ، والأغراض ، وتمهيد المصالح ، والأسباب ، والإخبار عما كان ، وعما يكون.
أمّا إيجاز اللفظ مع تمام المعنى فهو أبلغ أقسام الإيجاز (١). ولهذا قيل : الإعجاز فى الإيجاز نهاية إعجاز. وهذا المعنى موجود فى القرآن إمّا على سبيل الحذف ، وإما على سبيل الاختصار.
__________________
(١) ب : «الاعجاز»