فالحذف مثل قوله تعالى : (وَسْئَلِ (١) الْقَرْيَةَ) أى أهلها (وَلكِنَ (٢) الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) أى برّ من آمن. والاختصار (وَلَكُمْ (٣) فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) هذه أربع كلمات وستة عشر حرفا يتضمّنّ (٤) ما ينيّف على ألف ألف مسألة ، قد تصدّى لبيانها علماء الشريعة ، وفقهاء الإسلام فى مصنّفاتهم ؛ حتّى بلغوا ألوفا من المجلّدات ، ولم يبلغوا بعد كنهها وغايتها.
وأمّا تشبيه الشىء بالشىء فنحو قوله تعالى : (أَعْمالُهُمْ (٥) كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ) وقوله : (أَعْمالُهُمْ (٦) كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) وقوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ (٧) مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) وكلّ مثل من هذه الأمثال درج جواهر ، وبرج زواهر ، وكنز شرف ، وعالم علم ، وحقّ حقائق ، وبحار درر دراية ، ومصابيح سالكى مسالك السنّة. ولهذا يقال : الأمثال سرج القرآن.
وأمّا استعارة المعنى فكالتعبير عن المضىّ والقيام بالصّدع (فَاصْدَعْ (٨) بِما تُؤْمَرُ) أى قم بالأمر ، وكالتعبير عن الهلاك ، والعقوبة بالإقبال والقدوم (وَقَدِمْنا (٩) إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ) ، وكالتعبير عن تكوير الليل والنهار بالسّلخ (وَآيَةٌ١٠) لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) ولا يخفى ما فى أمثال هذه الاستعارات من كمال البلاغة ، ونهاية الفصاحة. يحكى أنّ أعرابيّا سمع
__________________
(١) الآية ٨٢ سورة يوسف
(٢) الآية ١٧٧ سورة البقرة
(٣) الآية ١٧٩ سورة البقرة
(٤) فى أ ، ب : «تنيف» ولم اقف على تنيف فأصلحته كما أثبت
(٥) الآية ٣٩ سورة النور
(٦) الآية ١٨ سورة ابراهيم
(٧) الآية ١٩ سورة البقرة
(٨) الآية ٩٤ سورة الحجر
(٩) الآية ٢٣ سورة الفرقان
(١٠) الآية ٣٧ سورة يس