وأمّا تصريف القصص والأحوال فهو أنّ الله تعالى ذكر بحكمه (١) البالغة أحوال القرون الماضية ، ووقائع الأنبياء ، وقصصهم ، بألفاظ مختلفة ، وعبارات متنوّعه ، بحيث لو تأمّل غوّاصو بحار المعانى ، وخوّاضو لجج الحجج ، وتفكّروا فى حقائقها ، وتدبّروا فى دقائقها ، لعلموا وتيقّنوا (وتحققوا (٢)) وتبيّنوا أنّ (٣) ما فيها من الألفاظ المكرّرة المعادات ، إنّما هى لأسرار ، ولطائف لا يرفع برقع حجابها من الخاصّة إلّا أوحدهم وأخصّهم ، ولا يكشف ستر سرائرها من النحارير إلا واسطتهم (٤) وقصهم (٥).
وأمّا تضمين الحكم والأسرار فكقولنا فى الفاتحة : إن فى (بسم) التجاء الخلق إلى ظلّ عنايته ، وكلمة الجلالة تضمّنت آثار القدرة والعظمة ، وكلمة الرّحمن إشارة (٦) إلى أنّ مصالح الخلق فى هذه الدّار منوط (٧) بكفايته. وكلمة الرّحيم بيان لاحتياج العالمين إلى فيض من خزائن رحمته. والنّصف الأوّل من الفاتحة يتضمّن أحكام الرّبوبيّة. والنصف الثّانى يقتضى أسباب العبوديّة. وخذ على هذا القياس. فإنّ كلّ كلمة من كلمات القرآن كنز معان ، وبحر حقائق.
ومن جوامع آيات القرآن قوله تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ (٨) وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) فإنها جامعة لجميع مكارم الأخلاق ، وقوله : (إِنَ (٩) اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) مستجمعة لجميع أسباب السّياسة والإيالة. وقوله :
__________________
(١) ب : «بحكمته»
(٢) سقط ما بين القوسين فى أ.
(٣) ب : «عن» وهى أن فى عنعنة تميم
(٤) أ : «واسطهم»
(٥) كذا فى أ ، ب : ومن معانى القص الصدر وقد يكون «فصهم» بالتاء من فص الخاتم وهو انفس شىء فيه ، استعير للفائق بين أقرانه.
(٦) سقط فى ب
(٧) كذا فى أ ، ب. وقد يصح على أن المراد : أمر منوط ..» وقد يكون محرفا عن «منوطة»
(٨) الآية ١٩٩ سورة الأعراف
(٩) الآية ٩٠ سورة النحل