٤٩ ـ بصيرة فى البلاء «وبلى»
قد ورد فى القرآن على ثلاثة أوجه :
الأوّل : بمعنى النعمة : (وَلِيُبْلِيَ (١) الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً) أى ولينعم.
الثانى : بمعنى الاختبار والامتحان : (هُنالِكَ ابْتُلِيَ (٢) الْمُؤْمِنُونَ) ، (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ (٣) أَحْسَنُ عَمَلاً).
الثالث : بمعنى المكروه : (وَفِي ذلِكُمْ (٤) بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) أى محنة.
والمادّة موضوعة لضدّ الجدّة : بلى الثّوب بلا ، وبلاء : خلق. وقولهم : بلوته : اختبرته ، كأنى أخلقته من كثرة اختبارى. وقرئ (هُنالِكَ (٥) تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) أى تعرف حقيقة ما عملت.
وسمّى الغمّ بلاء ؛ من حيث إنّه يبلى الجسم. وسمّى التكليف بلاء ؛ لأنّ التكاليف مشاقّ على الأبدان ، أو لأنّها اختبارات. ولهذا قال تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ (٦) حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ) وقيل : اختبار الله تعالى لعباده تارة بالمسارّ ليشكروا ، وتارة بالمضارّ ليصبروا. فصار المنحة والمحنة جميعا بلاء. فالمحنة مقتضية للصّبر ، والمنحة مقتضية للشكر ، والقيام بحقوق الصّبر أيسر من القيام بحقوق الشكر. فصارت المنحة أعظم البلاءين.
__________________
(١) الآية ١٧ سورة الانفال
(٢) الآية ١١ سورة الأحزاب
(٣) الآية ٧ سورة هود
(٤) الآية ١٤١ سورة الأعراف
(٥) الآية ٣٠ سورة يونس ، والقراءة الأخرى : «تتلوا» وهى قراءة حمزة والكسائى وخلف ، كما فى الاتحاف
(٦) الآية ٣١ سورة محمد